رياض الزهراء العدد 94 أين صراطي المستقيم؟
مِن خَصَائِصِ الإِمَامِ عَلِيٍّ (عليه السلام) الكَونِيَّة
لقد بُعث النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) سيّداً للبشر، وخاتماً للأنبيّاء، ورسولاً ورحمة للناس كافّة، ولمّا كانت منزلة الأنبيّاء صعبة الارتقاء، بل عصيّة على الخلق إلّا بإذن السماء، كان لابدّ من مثال بشري وأنموذج يمتلك صفات النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) ومزاياه، ولا يكون مبعوثاً من ربّ الأرباب خالق الأرضين والسموات، يحتذي ويقتدي بكلّ مَن آمن ويؤمن برسالات الأنبيّاء..، فكان (الإمام عليّ بن أبي طالب) أقرب المخلوقات من نقطتي التجاذب (النبوّة) و(الإنسان). فالإمام عليّ عند نقطة (النبوّة) سيّد الأوصياء وخليفة النبوّة وذو المنزلة: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي”(1)... إلا أنه ليس بنبيّ. وعند نقطة الإنسان تجده أطوع وأروع وأخضع الخلق إنساناً أمام عظمة الخالق، لا رهبة ولا رغبة، ولكن محبّة وحريّة وتولّهاً بالمحبوب حدّ الذوبان..، فكم من مسلم كابد مشاقّ طريق معرفة الله (عزّ وجل)، وخاض غمار محبّته احتذاءً بعليّ ومسالكه وكلماته ونفحات تقربّه الوجدانيّة والعرفانيّة. هذا حال الإمام علي مع الله ربّ العالمين، أمّا مع البشر فهو المتقشّف الورع، المتجافي السّمح، الصبور الجَلد، المتعفّف النّزه، قليل المؤونة والكنز، كثير المودّة والرأفة، شديد البأس والوطأة على أعداء الإسلام والإنسانيّة، شديد التمسك بحبل الإنسانيّة مع كلّ مخلوق وإن كان ذا نفرةٍ واختلاف عنه، فهو الناطق صدقاً: “..فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”.(2) إنّ الباري جلّ في علاه قد حبا سيّد الأوصياء جملة خصائص خاصّة وعامّة، جعلت منه ذاك المؤمن والمسلم، عالمي التكوين، وكوني التوجّهات والهدف, فقد أجمع العارفون لحاله، والمنقّبون عن آثاره، والمبهورون بعظم خصاله، أنّ لعليّ بن أبي طالب من الفضائل والخصال ما فاق بها الأقران، ولم تُجمع لغيره من أشباه الأشباه من السابقين واللاحقين، وقد أنصبّت في بوتقة هذا (المسلم الكوني) خصائص تفرّد بها وتميّز على مرّ الدهور, منها: 1.فرادة الولادة. 2.سبق الإسلام. 3.وحدانية المؤاخاة. 4.قرب المنزلة. 5.إمارة الإيمان. 6.فصل الخطاب. 7.فدائيّة المنازلة. وغيرها من الخصائص، إلّا أنّ (ربانيّة المصاهرة) تكاد تكون الخاصيّة التي تبرز وتبهر وتدهش العقول والأفكار. فالإمام عليّ هو صهر النبيّ المختار (صلى الله عليه وآله)، وزوج ابنته الزهراء البتول (عليها السلام) بأمر السماء، وهذه خاصيّة لم تُعطَ لبشر، حيث روت مصادر الجميع أنّ أبا بكر وعمر وغيرهما خطبوا الزهراء (عليها السلام) فردّهم النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقد ورد في الصحاح بالأسانيد عن أمير المؤمنين وابن عباس، وابن مسعود، وجابر الأنصاري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأم سلمة، بألفاظ مختلفة ومعانٍ متفقة، أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) مرّة بعد مرة فردّهما.(3) وتذكر كتب التاريخ أيضاً أنه: وقد عاتب الخاطبون النبيّ (صلى الله عليه وآله) على منعهم وتزويج عليّ، فقال (صلى الله عليه وآله): “والله ما منعتكم وزوّجته، بل الله منعكم وزوّجه!”(4)، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “لو لم يُخلق عليّ ما كان لفاطمة كفؤ”.(5) وهذه إحدى خصائص الإمام عليّ التي انفرد بها وغبطته وحسدته الأنفس على الفوز بها؛ لأنها جاءت بتدبير ربّاني، وهي دليل على عظم منزلة الزهراء (عليها السلام) وبعلها؛ ولأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم ينتظر في زواج غيرهما من المسلمين الأقربين منه والأبعدين أمراً ربانيّاً أو وحياً إلهيّاً. وبسند صحيح عن الإمام الباقر قال: “قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما أنا بشر مثلكم أتزوّج فيكم وأزوّجكم، إلا فاطمة، فإنّ تزويجها نزل من السماء”.(6) ........................... (1) الكافي: ج8، ص107. (2) ميزان الحكمة: ج3, ص290. (3) المناقب: ج3، ص122. (4) وفي الصحيح من السيرة: ج5، ص370. (5) وفي الصحيح من السيرة: ج5، ص370. (6) الكافي: ج5، ص568.