رياض الزهراء العدد 94 أين أنت من هذا؟
التَّصَابِي لِلصَّبِي
الأطفال نعمة يمنّها الله تعالى على خلقه، إذ إن بهم يدوم النسل، وتبقى شعلة الأمل متوهجة في قلوب الآباء، وهم اللبنة الأساسيّة في تكوين المجتمع، وعليهم يتوقّف صلاحه أو فساده؛ لذا ورد في الشريعة المقدّسة جملة من الأمور التي تساهم في تعزيز شخصيّة الطفل ورسم معالمها، ومن أهمها أن يهتم الآباء منذ اليوم الأول بحسن تسمية المولود، ثم فيما بعد تأديبه وتعليمه القرآن وأحكام الإسلام، ولكي تتمّ الاستجابة من قبل الطفل لتعليمات والديه وإرشاداتهما لابدّ من أن يكون لهما رصيد في قلبه من العاطفة، والمحبّة، والشفقة، والاهتمام، والعناية، ومن دون ذلك الرصيد لا يعوّل الأبوان كثيراً على تفاعل الطفل معهما والاستجابة لهما، ومن أهم تلك الأمور التي تزرع محبّة الوالدين في قلب الطفل وتجعلهما قريبين منه هو موضوع اللّعب معه، هذا الأمر الذي ربّما يستهين به بعض الآباء، ويعدّونه أمراً لهوياً لا طائل منه إلّا أنه في الواقع يمثل جزءاً مهماً في تكوين شخصيّة الطفل، وطبعاً يعتمد على ماهية ذلك اللّعب كيفاً وكماً، فاللعب استعداد فطريّ عند الطفل يتم من خلاله التخلّص من الطاقة الزائدة، وهو مقدّمة للعمل الجدّي الهادف، وفيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين، وبمقدرته اللغويّة والعقليّة والجسديّة، ومن خلاله يكتسب الطفل المعرفة الدقيقة بخصائص الأشياء التي تحيط به، فللّعب فوائد متعددة، وهو ضروريّ للطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها، فهو يتعلّم عن طريق اللّعب عادات التحكم في الذات، والتعاون، وثقة النفس، والألعاب تضفي على نفسيّته البهجة والسرور، وتنمّي مواهبه وقدرته على الخلق والإبداع، ومن خلال اللّعب يتحقق النمو النفسي والعقلي والاجتماعي والانفعالي للطفل، ويتعلّم من خلاله المعايير الاجتماعيّة، وضبط الانفعالات، والنظام، والتعاون، ويشبع حاجات الطفل ويشعره بالمتعة؛ لذا نرى أنّ للعب الأطفال أهمية في المنظور الإسلامي، حيث إنّ الروايات حثّت على ضرورة هذا الأمر، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “مَن كان عنده صبيّ فليتصابَ له”(1)، فالأمر في الرواية وإن كان على نحو الاستحباب إلّا أنه لا يخلو من فائدة أساسيّة وكبرى تتعلّق ببناء شخصيّة الطفل، كذلك يُروى أنه (صلى الله عليه وآله) على عظمته وعلوّ شأنه كان يلاعب الحسنين، ويركبهما على ظهره الشريف، ففي الرواية: “أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) برك للحسن والحسين فحملهما وخالف بين أيديهما وأرجلهما، وقال: نعم الجمل جملكما”(2) بل ورد أنه (صلى الله عليه وآله) كان يطيل سجوده لأجل أنهما يثبان على ظهره ويلعبان. أمّا مرحلة اللّعب فالروايات تؤكد أنها ما قبل الثامنة من العمر؛ لقول الإمام الصادق (عليه السلام): “دع ابنك يلعب سبع سنين..”(3)، وعلى الوالدين أن يمنحا الطفل الحريّة في اللعب من دون ضغط أو إكراه باستثناء الألعاب الخطرة التي يجب إبعادها عنه، وأفضل اللُّعب عند الطفل هي اللّعبة التي يختارها هو أو يصنعها بنفسه، ومن الأفضل للوالدين أن يوفّرا اللعبة التي يحتاجها، وتكون منسجمة مع رغباته، كذلك فإنّ مشاركة الوالدين للطفل في لعبه ضروري جداً، وهو من أهم عوامل تنمية قدرات الطفل بأن يصبح مستقلاً، وقويّ الشخصيّة، وأفضل طرائق المشاركة هي أن يتكلم الوالدان بالكلمات والعبارات التي يفهمها وتتناسب مع مستواه اللغوي والعقلي، وهذا معنى التّصابي الذي ذُكر في الرواية السابقة، وذلك يمنحه الإحساس بالمكانة المرموقة، ويُدخل عليه البهجة والسرور، فيا حبذا لو نعيد النظر في علاقتنا بأطفالنا، وأن نسعى جاهدين إلى أن نشبع حاجاتهم النفسيّة، كما نهتم بإشباع حاجاتهم الماديّة، فأين نحن من ذلك؟ ................................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج6، ص169. (2) مستدرك الوسائل ج15، ص171. (3) الكافي: ج6، ص46.