الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) ومَوقِفُ الخُلُود
ركب أبو الحسن صهوة المجد في ليلة المبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله)، واعترى قلبه الإيمان مع بزوغ أول خيوط النور والإسلام على الجزيرة العربية، فسطّر أول صورة للفداء والإيثار في ملحمة الخلود، فكان نعم الأخ والوزير لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والمحامي الدائم عن الدين، فلولا سيف عليّ لم ينتشر الإسلام، ودقّ مسماراً في نعش مكر العرب قبل مواجهة السيوف، فأطاحهم بخيبة أمل، وهم ينتظرون بفارغ الصبر قتل سيّد البشر محمد (صلى الله عليه وآله)بسيوفهم البتّارة على يد أربعين فارساً من قريش؛ ليضيع دمه الشريف ولا يستطيع بنو هاشم المطالبة بثأره (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)/ (الأنفال:30) فبات عليّ الشجاع في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يتوقع كلّ لحظة مهاجمة القوم بسيوفهم الغدّارة؛ لتطيح بجسده الشريف، فيا لها من قوة قلب تملكها مولاي! مع العلم أنّ مواجهة الأعداء بالسيوف تحتاج إلى قوة وشجاعة، ولكن انتظار ضرباتهم من غير مواجهة وأنت تحت الفراش تحتاج بلا ريب إلى جبل من الشجاعة ورباطة الجأش، فإنّ انتظار البلاء أحياناً أشدّ من وقوعه، وكان من المحتمل أن يموت الإمام علي (عليه السلام) في هذه الليلة، وينحرم من مشاهدة انتصار الدعوة الإسلامية، ويفارق حبيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن أبت الإرادة الإلهية إلا أن تتحقق، فنجا الإمام علي (عليه السلام) وكان نِعم العضد الأيمن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وباهى الله (سبحانه وتعالى) بموقفه ملائكة السماء، فأوحى الله (عزّ وجل) إلى جبرائيل وميكائيل فقال: "إني آخيت بينكما وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله (عزّ وجل) إليهما: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه فيؤثره بالحياة"(1) فأنزل الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)/ (البقرة:207)، فكانت ليلة المبيت شعلة وهّاجة في طريق الإسلام، وخلّدها الباري بهذه الآية ليبيّن عظمة موقف الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام). ..................... (1) ميزان الحكمة: الريشهري، ج1، ص14.