رياض الزهراء العدد 94 ألق الماضي
قَارُورَةُ التَّارِيخِ تَنشُرُ لنَا عَبيِرَ السَّيِّدةِ فَاطِمَةَ بِنتِ أَسَد (عليها السلام)
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (عليها السلام)، وُلدت في مكّة المكرمة وزوجها ابن عمها أبو طالب (عليه السلام)، لقد كانت زوجة المؤمن الموحّد، الذي أقام للشريعة الحنفيّة أساسها، وركز للقرآن الكريم دعائمه، وفدى بنفسه من أجل حياة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وأباد بحكمته وثباته ودفاعه عن الرسول قواعد الكفر والشرك وأذناب الشيطان، وهذه السّيّدة كبعلها هاشميّة النسب، حنفيّة المذهب، لم تخضع لصنم أبدأً، ولم تُشرك بالله طرفة عين، مؤمنة عفيفة، طاهرة في الظاهر والباطن، وقد عاشت في زمن كَثُر فيه البغاء والخيانة والوأد، وفي مجتمع غطّ بالجاهليّة إلى أذنيه، وإيمانها العميق بربّها الواحد قاومت به العقليّة الصنميّة التي عاش عليها المجتمع التي كانت تعيش فيه - ونحن ومع الأسف في عصر التطوّر إلّا أنّ بعض العقول تعيش حالة العبادة الصنميّة ولكن بطرق مختلفة - لذلك أصبحت مهيّئة لنفحات اللطف الإلهي، ففي المرحلة الأولى كان النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ربيباً لها، تعتني به، وتغدق عليه المحبة والحنان والعاطفة الصادقة؛ لأنها تعرف مقام النبوّة باعتبارها امرأة عارفة مدركة لِما حواه بيتها من الأنوار المحمديّة وبوادر النبوّة في وجهه المبارك، ولأن محراب قلبها الطاهر والذي لم يدخل فيه إلّا حبّ ربّها الواحد العظيم جعل لها بصيرة تنورت بنور محبته التي سرت في شرايينها، فأنارت عقلها، وفتحت لها آفاق مستقبل نورانيّ، وهذه الطّهارة التي حملها قلبها وكيانها المبارك جعلت منها نسمة مجتباة وتحت لطف الخالق جلّ وعلا؛ لتنال شرفاً ما بعده شرف بولادتها لخاتم الأوصياء وإمام المتقين، الذي لولاه ما كَمُل الدين؛ لأنّ النبوّة بكفّة والإمامة بالكفّة الثانية؛ لتكون له رحماً طاهراً يتغذى من روح الإيمان التي تجري في عروقها، ويأخذ منها الهواء النقيّ الممزوج بعطر أنفاس الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وتوحيدها وعبادتها الصادقة هما اللّذان أوصلاها إلى هذا الشرف السامي؛ لأنها من الحجور التي طابت وطهرت. وأنتِ أيتها المؤمنة الموالية يمكنك أن تصلي إلى ألطاف الله تعالى متى ما كانت عبادتك خالصة نقيّة من كلّ شوائب الشرك الخفيّ..! نعم الشرك الخفيّ، محبّتك للتسوّق، والمشي في الأسواق من دون حاجة ماسّة، حبّاً وولعاً بالثياب والديكور، وحبّ الامتلاك، والرغبة في المزيد كلّها أنواع من الشرك الخفيّ الذي تطيعينه مقابل عبادة الله تعالى، وفي بعض الأحيان يفوز الشرك لديك على الإيمان، وأقول لكِ: بماذا تميّز أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) المخلصون، وحواريو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأصحاب سيّد الشهداء، وهي صفات أصحاب مولانا المهديّ الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ أليس بالطاعة لله (عزّ وجل)، والعبادة الصادقة الخالية من كلّ ريبة أو قرين؟! فقد وصلت السّيّدة الطاهرة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) إلى درجة من الطهارة بحيث تقبّلها ربّها سبحانه وهي تستجير به وتطوف حول البيت وتدعوه كي يسهّل عليها ولادتها، فنادته بهذه الكلمات (ربّ إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، ومصدّقة بكلام جدّي إبراهيم، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسرت عليَّ ولادتي).(1) ما إن انتهت كلماتها التي ربّما مزجتها بدموعها الصادقة انفتح جدار الكعبة المشرّفة، ودخلت فيه وكأن الله تعالى يقول لها: لن أدخلكِ بالطريقة الاعتيادية من الباب، بل أشقّ لكِ الجدار بالإعجاز؛ لأنكِ تحملين إعجاز الإمامة وسرّها، فإذا هي بحواء، ومريم، وآسية، وأم موسى، وغيرهنّ، فصنعنَ مثلما صنعنَ في ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما وُلد أمير المؤمنين (عليه السلام) سجد على الأرض يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ عليّاً وصيّ محمد (صلى الله عليه وآله)، وبمحمد يختم الله تعالى النبوة، وبي تتمّ الوصيّة، وأنا أمير المؤمنين)، ثم سلّم على النساء وسأل عن أحوالهنّ، وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب، وقال: (أبشروا فقد ظهر وليّ الله، يُختم به الوصيّون، وهو وصيّ نبيّ ربّ العالمين).(2) فبورك المولود، وبوركت أم طاهرة أنجبت وصيّ هذه الأمّة، فالسلام عليكِ يا مولاتي يا فاطمة بنت أسد ورحمة الله وبركاته. .................................. (1)،(2): مناقب آل أبي طالب :ج2 ص22.