رياض الزهراء العدد 94 لحياة أفضل
هَفواتٌ اجتماعيّةٌ_ الازدواجيّة المَقيتة!!
ذات ظهيرة صائفة، وفي إحدى سيّارات النقل العام، حاولت - وأنا عائد إلى البيت من عملي - تمضية الوقت بقراءة صحيفة تعوّدت شراءها يوميّاً من أحد الكادحين على عزّة عيشهم، ولكن كان صوت امرأتين مسنّتين جلستا خلفي مرتفعاً مسموعاً من أغلب الراكبين إلى درجة أنه أفقدني التركيز على قراءة سطرٍ منها فتركتها جانباً، كان الحديث أشبه بنشرة أخبار مفصّلة، ولكن جُلَّه كان حول عائلات أبنائهنّ.. ولعلّ جزءاً منه أثار حفيظتي في الوقت الذي أثار ضحك بعض الجالسين قربهما.. الأولى تسأل: كيف هي أحوال زوجة ابنك الأصغر؟ أهي كما تمنّيتِ أن تكون؟ أجابت الثانية: آآآآه أذهبها الله لما تفعله بولدي، لقد أتعبته كثيراً، وجعلت منه خادماً لها، فهو من أجلها يصحو باكراً ويجهز لها الإفطار لتصحو وقد وجدت كلّ شيء جاهزاً، ويوميّاً يخرجها للزيارة والتنزّه وزيارة أقاربها، ولا يكاد يمضي يوم إلّا ويأخذها إلى أفخر المطاعم حتى أنهكت ميزانيّة مصروفاته، وهي لا تقوم بأعمال البيت جميعها، فإمّا أن تطبخ أو تنظّف، كسولة ولا تعينني أبداً. قالت الأولى: هوّني عليك يا (أمّ فلان)، عسى الله أن يصلح حالها فهي أفضل من غيرها بكثير، ولكن أخبريني ما هي أخبار زوج ابنتك الوسطى عسى أن يكون مستحقّاً للجوهرة التي أخذها منكم؟ فانفرجت أسارير الثانية، وقالت منتشية تملأ صوتها المسرّة: إنّه من أروع الرجال وأكثرهم أدباً وحرصاً على زوجته، والحمد لله الذي منَّ على ابنتي الجميلة المؤدبة بهذا الزوج الطيّب الكريم، ما أندر من هم على شاكلته!!، تصوّري يا (أمّ فلانة)، منذ زواجهما إلى اليوم وهو يوقّت المنبّه ليستيقظ قبلها باكراً، ويُحضر الخبز الحار من الفرن القريب، ويسرع لطعام الإفطار الذي يتفنّن في إعداده وتنويع أكلاته، فتفتح ابنتي الحبيبة عينها وتجد أمامها ما لذّ وطاب، وما إن ينتهِ عمله يأتِ حاملاً بين يديه طعام الغداء من أفضل مطعم في الحي المجاور، أمّا طعام العشاء فقد تكفّلت أمه بإعداده لهما، ومن فرط حبّه لها فهو دوماً يأخذها معه لزيارة الأصدقاء والمناطق الترفيهيّة الجميلة، بل ووعدها أن يصطحبها إلى أوربا لقضاء إجازة هناك، والأجمل من هذا كلّه أنهم لا يسمحون لابنتي بالقيام بأيّ عمل بيتي مهما كان بسيطاً!! ألم أقل إنه زوج رائع؟! وهنا وضعتُ أصابعي ملء أذني تجنباً لسماع المزيد من هذه الازدواجية المقيتة، والتي تعيشها كثير من الأسر، كم هو عجيب!! الأمر ذاته في كلا الحالتين ولكن (زوجة الابن) زوجة غير صالحة قد آذت الابن بدلالها، و(زوج البنت) لا مثيل لروعة ونبل أخلاقه!! كثيراً ما نعيش هذا النوع من الازدواجيّات، ليس على مستوى الأسر فحسب، بل في مختلف مجالات الحياة الأخرى، وهنا سؤال أضع بعده ألف علامة استفهام: لماذا؟