وَجَعُ العِتَاب

آمال كاظم عبد
عدد المشاهدات : 181

اختنقت السلاسلُ وتهادى صوتُها.. وهي تبوحُ بأحزانِها.. بزمجرةٍ خفيفةٍ.. وحلقةٌ تعاتبُ حلقةً: ما ذنبُ ساقٍ رُضت كنّا نرى أنوارَ التّقى تسجدُ لها.. ما ذنبُ يدٍ بالقيدِ مكبلةٍ فاضتْ عطايَاها على الناسِ بصُررٍ مباركة.. لقد ذابَ صدؤنا بغرامِه عشقاً.. وكنّا نهيمُ بحبّه ونحنُ نلامسُ جسدَه النّحيل.. ألم تسمعْ أنّ من العشقِ ما قَتَل.. نحنُ قَتَلْنا بحبِّنا العبدَ الصَّالح.. ثم تأوّهتْ الجدرانُ فقالتْ: كانتْ هَينَماتُ الابتهالاتِ تهزُّني.. وتخرّ صُخوري خاشعةً لجمالِ صوتِه الآسِر.. فتخيّلوا جمالَ حروفِ القرآنِ وهي تنطلقُ من فِيهِ.. أنا مَن اعتدّتُ على أصواتِ الأنينِ والآهاتِ المُؤلمة.. واحتويتُ بكاءَ المظلومينَ المقهورينَ.. إلّا هذا العَبد الذي تقدستْ أحجاري وهي تنصتُ إلى ترانيمِه.. فأطرقَ الظّلامُ خَجِلاً: باللهِ عليكُم خبِّروني أينَ المَفرّ؟ وأرشدُوني إلى مكانٍ لا أرى فيه أنوارَ الصالحينَ وهي تُطفأ.. تبدَّد ليلي بنورِ وضوئِه.. بنورِ صلاةِ ليلهِ.. بنورِ دعائِهِ.. بنورِ ترتيلِهِ كتابَ اللهِ.. في كلِّ لحظةٍ كنتُ رفيقَه وكان سَنا بهائِهِ يبدِّد أسدافِي.. فاستأنستُ بهِ وأسرجَتْ قناديلُ الهَوى قلبي بحبِّهِ.. صَرخَ الجسرُ بَاكياً: مُصيبتي أعظمُ منكُم.. منذُ أنْ شعرتُ بتلكَ الخطواتِ التي تخطُو على ظَهرِي.. ارتعدتْ فرائصِي رُعباً من ثُقلِ هذه الجنازةِ المُنادَى عليهَا.. تراءى لي أنّ السماءَ ستسقطُ عليّ من هولِ المُصابِ.. ولكنْ.. اكتفتْ بالبكاءِ بحمرةٍ مفجعةٍ وريحٍ سوداءَ.. ولم تنطبقْ على الأرضِ.. فهذا سَميُّ الكليمِ مُسجىً في أحضانِي.. بجسدِه النحيِل قد أحاطتهُ الملائكةُ بمنظرٍ عجيبٍ.. يشيبُ له رأسُ الرضيعِ.. شُعثٌ، غُبرٌ، لا تهدأ لهم رَنّةٌ.. ولا تستكينُ لهم عَبرةٌ.. وبعد ألفٍ وأربعمائة عامٍ في اليومِ نفسهِ حينما كان مُحبّوهُ يُحيونَ ذكراه.. كانتْ هناك فاجعةٌ جديدة بانتظارهِم سُمّيت باسمِي.. ومع أني رأيتُ يدينِ مكبّلتينِ تحتضنانِ بحنانٍ أجسادَهُم الطّاهرةَ.. إلّا أني بقيتُ شاهداً على أوزارِ المذنبينَ على مَدى التاريخِ..