أَطفَالُنَا.. مَسؤُولِيَّتُنَا

دعاء جمال الحسيني
عدد المشاهدات : 258

الأطفال زينة الحياة الدنيا, ومرحلة الطفولة مرحلة مهمّة جداً لبناء شخصية الفرد في المستقبل, لذا كان لزاماً على المربي الاهتمام بكلّ تفاصيلها, وهو أمر ضروري جداً, لأنّ أيَّ تعامل غير مدروس يؤثر سلباً في تعامل الفرد مع المجتمع في المستقبل؛ فالأطفال وُجدوا ليَسعدوا ويُسعدوا مَن حولهم؛ وأيّ معاملة سيّئة بحقّهم أو أسلوب قاسٍ أو عنيف يؤثر فيهم سلباً، ويجعلهم ينزلقون بمتاهات الجنوح. لتسليط الضوء على هذه الحالات الكثيرة في المجتمع توجهنا إلى محكمة استئناف مدينة كربلاء المقدسة، والتقينا بالسّيّدة فوزية رشيد عبد/ باحثة اجتماعيّة في المحكمة، وتحدّثت قائلة: نحن نعاني من وجود العديد من هذه الحالات في مجتمعنا، والأسباب متعدّدة؛ لأننا نفتقد إلى ثقافة التعليم، فأغلب جانحي الأحداث مشاكل مع القانون هم دون سنّ الـ (18 سنة)، والذين لم يدخلوا المدارس؛ لتدني المستوى التعليمي والثقافي والمادي للأهل، وزجهم بالعمل في الشارع ليأخذوا شروره، وتواجهنا الكثير من هذه الحالات، منها حالة الطفلين (و - ن) و(م - أ) اللّذين يأخذان عجلة جارهما من دون علمه ليتجوّلا بها، وافتقد الجار عجلته، فقام بتقديم بلاغ في المحكمة حال افتقاده لها، مما أدى إلى جعلهما تحت قبضة القانون، وقام طفل آخر بأخذ محفظة صديقه بذريعة المُزاح، وما جدوى المزاح وقد وصل هذا المُزاح إلى طائلة القانون، وقد وقعت الفتاة (ن - س) تحت مصيدة الخديعة والمكر لتصبح في الهاوية حالها كحال الكثير من الفتيات اللواتي وقعن ضحية للكلام الآسر والمعهود. وقد ذكر الدكتور عامر فاضل الحيدري اختصاصي الأمراض النفسيّة والعصبيّة أسباباً كثيرة لجنوح الأحداث، منها: • الحالة المعيشية المترديّة للأسرة؛ مما يؤدي إلى جعل الأطفال يعملون خارج المنزل. • قضايا تتعلق بالأسرة، كالتفكك الأسري بسبب الطلاق أو موت أحد الأبوين أو كلاهما، وقلة اهتمام الأهل بأولادهم، وحدوث العنف داخل المنزل عن طريق المعاملة السيّئة مع الأولاد، أو ضرب الأب للأم أمامهم. • عدم دخول الأطفال إلى المدرسة وممارستهم للحقّ الطبيعي لهم في التعليم حالهم كحال أقرانهم في العمر، أو سوء السياسة التعليميّة في التعامل مع الأطفال في المدرسة. • الإدمان على المواد المخدرة والممنوعة. • البرامج التلفزيونيّة المحرضة على العنف وعلى الكثير من السلوكيّات الخاطئة. • الافتقار للوازع الديني. وقد ذكر الدكتور عامر الحيدري أنّ الذكور أكثر تعرضاً لهذه القضايا من الإناث؛ لأن الذكور لديهم حريّة أكثر من الإناث، وبسبب وجود هرمون التستسيرون (Testosteron) في الذكور المسؤول عن علامات الذكورة كخشونة الصوت وغيرها من العلامات. وقد أعطى الدكتور عامر الحيدري العلاج والحلول لهذه المشكلة وهي: • وجود مراكز تأهيليّة للأحداث؛ لأن الكثير من الأحداث يكررون أفعالهم السيّئة. • ضرورة جعل التعليم إلزاميّاً والمتابعة المباشرة من قبل الدولة. • انتشار برامج التوعيّة وبخاصة في المدارس. • الالتزام بالشريعة الإسلاميّة الغراء. • متابعة الأهل بصورة مستمرّة لأطفالهم، وملاحظة تصرفاتهم، والتركيز على نوعية البرامج التلفزيونيّة التي تُشاهد وكميتها. • إصدار قانون خاص بالحدّ من عمالة الأطفال. وقد تحدّثت السّيّدة (أم شاكر/ مسؤولة شعبة المكتبة النسويّة) عن الحلول الواجب اتخاذها اتجاه هذه القضيّة قائلاً: قال الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله): “الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين، وإلّا فاضرب على جنبه، فقد أعذرت إلى الله تعالى”(1)، فحثّنا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على تربيّة الأولاد تربية سليمة، ففي السبع سنوات الأولى يجب إرشاد الطفل بصورة لطيفة ومقبولة لديه، فلا يترك دون إرشاد، ولا يُعطى الحريّة المطلقة بحجّة أنه لا يستوعب أو لا يفهم لصغر سنّه، وتسمية الطفل لها الأثر البالغ في نفسه، فيُنادى باسمه من دون الانتقاص منه، والتعامل المتزن هو أساس هذه المدة، فما زرعناه في الطفل من تربية حسنة في هذه السبع سنوات سنحصده في السنوات المقبلة. أمّا في السبع سنوات الثانية فيقصد المصطفى (صلى الله عليه وآله) وقت خدمة الطفل لأهله، أي يفعل ما يُطلب منه، فلا تُستغل هذه المرحلة لمآربهم الشخصيّة، وعليهم أن يغتنموها في مصلحته ومصلحة مجتمعه، وعلينا أن نرشده إلى أفعال جيدة يجدها فينا كي يتقبل النصيحة، فمثلاً أن نحثّه على الصدق واجتناب الغيبة، وفي الوقت نفسه نكذب ونغتاب أمامه، فهذا الفعل سيخلق ازدواجيّة في شخصيّته، وسينعكس ما زرعناه من معاملة موزونة في تصرفاته في المستقبل، وستظل في عقله الباطن حينما يكبر. والسبع سنوات الثالثة هي مرحلة الوزارة، فهنا يريد الأبناء تكوين شخصيتهم، فيجب على الأهل استشارتهم ومحاورتهم في كلّ الأمور العامّة والخاصّة، فإذا لم تصلح تربية الأبناء في المراحل الأولى سيتمردون على أهلهم في هذه المرحلة، فالأولاد في هذه المرحلة يريدون بناء الشخصيّة، إما بصورة حسنة أو بصورة سيّئة لا قدّر الله تعالى. وأسلوب الضرب هو أسلوب يرفضه ديننا الحنيف في التربية، فلا يجب على المربّي أن يضرب الأطفال، ولا يحقّ لأحد أن يستخدم أسلوب الضرب مع أولاده، وللوليّ فقط الحق في هذا - وهو الأب والجد من الأب – وذلك عند استنفاد كلّ الأساليب المستخدمة في التربية الصحيحة، وفي حالة ارتكابهم محرماً من المحرّمات أو فعلاً غير حسن يجب علينا أن نُعلِمهم بقباحة هذا الفعل، ويجب أن نحاورهم ونعاتبهم ونلومهم على هذا العمل، وينبغي ترك أسلوب الضرب وبخاصة في السبع سنوات الأولى؛ لأن الطفل هنا لا يعلم لماذا ضُرب، وأسلوب العنف المستخدم ضدّهم سيعكسونه على المجتمع في المستقبل. وإذا ارتكب أولادنا أيّ خطأ بحق أنفسهم أو بحق مجتمعهم، فهنا لابدّ من أن تكون لدينا معرفة بالمعاملة الصحيحة، والأحكام الشرعية لهذا الأمر، والمرحلة النفسيّة التي يمرّ بها الأولاد في هذه المرحلة، والسبب الذي أدّى به إلى هذا الفعل الخاطئ، ولا يُستخدم أسلوب اللوم والمحاسبة على جريمته فقط، وإنما علينا معرفة السبب المؤدي إلى هذه المشكلة فقد تكون بسبب عدم درايته أي من دون قصد وتعمد أو بسبب ماديّ، أو بسبب أصدقاء السوء الذين يرافقهم، أو قد يكون السبب نفسياً، فيجب في البداية أن نُعلمهم بخطورة الذنب الذي ارتُكب، وبمخالفته لديننا، ونعالج الأسباب الأخرى النفسيّة والماديّة، ونعرضه على المعالج النفسي إذا احتجنا إلى ذلك. الأطفال الصالحون هم شذا الزهور النفحة التي رويت بالتعاليم الدينية السليمة والسمحة، وتربت تربية أبويّة جيّدة، ونشأت نشأة حسنة؛ ليكونوا ذخر المستقبل المعوّل عليه، ولنؤمّن مستقبل مجتمع صالح خالٍ من الأوبئة، فيجب أن لا يكون هدفنا الوحيد هو معاقبة المخطئ لكفّ أذاه عن المجتمع، بل يجب مُحاربة الأسباب التي أدّت إلى ارتكابه هذا الخطأ، وبتعاوننا ننمّي شبابنا. ............................ مستدرك سفينة البحار: ج1، ص434.