رياض الزهراء العدد 94 منكم وإليكم
الأَفكَارُ المُلَوَّثَة
كان الجو بارداً في ذلك اليوم، يعكس قساوة الواقع المرير، وكعادتي ذهبتُ إلى المدرسة، وبدأتُ السلام على الأصدقاء المدرسين بحرارة عكس برودة الطقس خارج الغرفة، وإذا بالمعاون يخبرني أنّ المدير يريد رؤيتي فوراً، فداخلني الوجل، وبدت دقات قلبي كأنها دقات ناقوس يُنذر بالخطر، فالمدير لم يطلبني يوماً بهذا الشكل وبهذه اللهجة، وسرتُ بخطوات بطيئة خطوة تتقدم وأخرى تتراجع إلى الوراء، وصلتُ إلى الباب وفتحته وسلمتُ على المدير، فرأيتُ وجهه يختلف عن كلّ يوم، وأخذت الحيرة منّي مأخذها، فطلب مني الجلوس وأغلق الباب، وتكلم بلهجة قاسية، وقال لي خبراً أوقف الدم في عروقي: لقد تمّ فصلك من المدرسة. عقدت المفاجأة لساني، ولكني استدركت وصحت بأعلى صوتي: ما هو السبب؟ فقال: أنا أعمل بحسب الضوابط وبحسب كتاب الفصل الصادر من مديرية التربية؛ وذلك لعدم توفر السلامة الفكريّة، فقلت: هل تراني مجنوناً، وسُلب منّي العقل، فقال: أنت تحمل فكراً ملوثاً، ويُمنع مثلك أن يكون في سلك التدريس. فقلت: لماذا يا أستاذ؟ فرفع صوته قائلاً: لديك أب وأخ معدومان بسبب معارضتهم السلطة وأفكارها، ولا يمكن أن تكون مدرساً؛ لأنك تلوّث أفكار الطلاب بأفكار تؤثر في عقولهم، فقلت له: وما هذه الأفكار؟ فقال: لماذا أُعدم أبوك وأخوك؟ فقلت: بسبب حبّهم للإمام الحسين (عليه السلام) ومنهجه، فقال: إنك خطر على الطلاب بفكرك ومنهجك. فقلت: إذن حبّ الإمام الحسين وآله (عليهم السلام) فكر ملوث وخطر، فأدعو من الله أن ينتشر هذا الفكر في بقاع العالم؛ ليعرفوا أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) هو الحق وما عداه باطل، وأني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً؛ لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) مثالٌ منيرٌ لكلّ الأحرار الرافضين الظلم والاستعباد.