رياض الزهراء العدد 94 واحة البراءة
البُلبُلُ الصَّغِير
في يومٍ ما فُوجئ البُلبُل الصغير أنه قد فقد صوته فجأة، ولا يعرف كيف حدث ذلك! فعاد حزيناً مهموماً يائساً، وأخذ يبحث عن صوته الذي ضاع في البيوت، والمياه، والأعشاش من دون جدوى، فعاد منكسراً، وحزنه يشتد إذا سَمِع زقزقة العصافير، وأغاريد الطيور المرحة، سألَ الكثيرين من أصدقائه فلم يهتَدِ أحد منهم إلى شيء، وظل هكذا حتى عاد إلى الحقل فاستلقى تحت ظل شجرة التوت الكبيرة، وأخذ يتذكر أيامه الماضية، حينما كان صوته يَنطلِقُ بتغريد جميل حلو، تأنسُ له الطيورُ. رفع البلبلُ الصغيرُ رأسه إلى السماء الوسيعة الزرقاء، وأخذ يتطلّع إلى فوق بتضرّع وحزن: يا إلهي كيف يُمكن أن يحدث هذا بكل هذه السهولة؟! ساعِدْني يا إلهي، فمَن لي غيرك يُعيد لي صوتي الضائع؟ وبينما هو هكذا رأى حمامة صغيرة تحمل فوق ظهرها حمامة جريحة، وقد بَدَت الحمامة الصغيرة متعبة ومنهكة، وهي تنوء بهذا الحمل. انتبه البلبل الحزين إلى هذا المنظر، فأخذ يُتابعه، وقلبه يدقّ خوفاً على الحمامة الصغيرة من السقوط، مع أنها كانت تطير بشجاعةٍ وإرادةٍ قويّة، وعندما وصلت إلى نقطةٍ قريبةٍ من شجرة التوت بدأت الحمامة الجريحة تميلُ عنها بالتدريج، فأخذ قلب البلبل يدقّ ويدقّ، لقد امتلأ قلبه بالرقَة والخوف على هذه الحمامة الضعيفة التي تكاد تسقط من الأعالي على الأرض، فلم يَتمالك نفسه، فإذا هو يصيح بقوّة: انتبهي انتبهي أيّتها الحمامةُ الصغيرة الحمامة الجريحة تكاد تسقط عن ظهرك، سَمِعَتِ الحمامة صياح البلبل فانتَبَهت وأخَذَت تُعَدِّلُ مِن جَناحَيها، حتى استعادت الحمامة الجريحة وضَعَها السابق، فشكرته من قلبها، ومضت تطير وهي تحَيِّيه بمنقارها. توقفَ البلبل، وبدأ يُفكِّر، ولم يُصدِّقْ أنّ صوته قد عاد إليه مرةً ثانية، فانطلَقَ فَرِحاً يُغرِّدُ فوقَ الشجرة، رافعاً رأسَهُ إلى السماءِ الزَرقاء وقد كانَ تَغريدُه هذهِ المرّة أُنشودَة شُكرٍ لله تعالى على هذهِ النِعمةِ الكبيرة.