أَقِفُ عِندَ حِلمِكَ

رحيل الحسيني
عدد المشاهدات : 282

السلام عليك يا باب المراد، السلام عليك أيّها الكاظم الغيظ.. السلام عليك يا مولاي يا موسى بن جعفر.. أقف على ساحل بحر مكارمك آخذةً صفة من صفاتك العظمى، وما أكثرها من صفات!! أقف عند حلمك وكظمك للغيظ، أسلّط أضواء قلبي على حادثة هي قطرةٌ من بحر مواقفك الزاخرة، ومكارم أخلاقك العالية. سيّدي.. بلغنا أنّ أحد مخالفيك كان يسبّك ويشتمك، فعرض جلساؤك عليك قتله، فنهيتهم أشدّ النّهي وزجرتهم أشدّ الزّجر، ولم تكتفِ بذلك، فإذا بك تذهب إلى مزرعته تباسطه وتضاحكه وتعطيه ما يرجو أن يجيئه في زرعه وأكثر!! لا جَرَمَ أنّ هذا الخلق العظيم يرشح منك ومن أجدادك.. هذا صنيعك مع أعدائك مولاي، فما لنا لا نكون كذلك مع أرحامنا وإخواننا من المؤمنين؟؟ فهذا المخالف والمعادي لك بإكسير أخلاقك قام يقبّل رأسك الأطهر، فأنتَ القرآن الناطق سيّدي، وهنا كنت الناطق بـ: (..ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)/ (فصلت:34). ثمّ قلت لجلسائك الذين أرادوا قتل ذاك المخالف: “أيّما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت؟ إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم، وكفيت به شرّه”.(1) أعذرنا سيّدي، أعذرنا، إذ لم نقتدِ بك في حلمك وكظمك للغيظ، فمَن شتمنا بواحدة رددنا عليه عشراً، ومَن آذانا وأخطأ في حقّنا وضعناه في مصافّ الأعداء وسلبناه العفو والسماح، وضاقت صدورنا عن الصبر وتحمّل بعضهم من الأذى. فأين نحن من مقابلة الإساءة بالإحسان، والأذى بالعفو؛ لتخضع بذلك قلوب المُسيئين، وتعود عمّا هي عليه من الخطاء؟ مولاي.. لم يُبقِ لنا عظيم خلقك سوى الخجل من نفس ضاعت بين ركام الأنانيّات ونار السخط على الآخرين!! فأنتَ مولاي، يا مَن تجرعتَ من الغيظ كؤوساً وكؤوساً، ما رأيتَ إلّا الظلم والاضطهاد منذ أن فتحتَ عينيك المقدّستين على هذا العالم، وبلاء تلو بلاء، خمسة عشر عاماً معذّباً في قعر السجون، وظُلم المطامير، ينقلك فيها هارون العباسي من ظلمة سجن إلى آخر.. كلّ ذلك وأنت محتسب صابر كاظم لغيظك. وجنازتك المرميّة على جسر بغداد مع الجسد الطاهر المقيّد بالسلاسل تختصر عمراً من معاناتك، وتشهد على عظيمها. ألسنا ندّعي بأنّك أسوتنا؟ ونبكي مصابك بكاء الثّكالى؟ فلمَ لا نقتفي أثرك في كلّ شيء، لنكون من شيعتك الحقيقيين الذين أرادهم أبوك الصادق المصدّق زيناً لكم لا شيناً عليكم؟! ................................ (1) الإرشاد: ج2، ص233.