جَوَادُ الأَئِمَّةِ

فضيلة الطرفي
عدد المشاهدات : 254

مرّت سنوات والإمام العظيم عليّ بن موسى الرضا لم يُرزق بولد، فحينما سُئل  عن الإمامة, قال:"في ولدي”(1)، وهو يومئذ لا ولد له. ومن هنا ظهر أهل التشكيك بإمامة الرضا والطعن فيه خصوصاً من الفرقة الضالّة الواقفة التي تدّعي بانتهاء الإمامة عند الإمام الكاظم، وأغلب الظنّ أنّ الأيدي العباسيّة لم تكن بعيدة عن ساحة قدس الإمام الرضا في التنقيب، وافتعال الحوادث والمواقف؛ للنيل من إمامته والطعن فيها، فكان بعضٌ من الواقفيّة وغيرهم يسأل الإمام الرضا عن موقفه من الذريّة، وهل هناك عقب له سيرث منصب الإمامة بعده؟ فكان يجيبهم: “والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكراً يُفرّق بين الحق والباطل”(2)، إلى أنّ بزغ نور الإمام الجواد محمّد في رجب الأصب، وامتلأ البيت نوراً عجيباً في تلك الليلة كما تروي السّيّدة حكيمة عمّة الإمام الجواد وأخت الإمام الرضا إذ تقول من كلام لها تصفه (عليه السلام): “..وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب، يسطع نوره حتى أضاء البيت، فأبصرناه، فأخذته، فوضعته في حجري، ونزعت عنه ذلك الغشاء، فجاء الرضا ففتح الباب، وقد فرغنا من أمره، فأخذه، فوضعه في المهد، وقال لي: يا حكيمة! ألزمي مهده. قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره، ثم قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمّداً رسول الله، فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجبا؟ فقال: وما ذاك؟ فأخبرته الخبر، فقال: يا حكيمة! ما ترون من عجائبه أكثر”(3). وركز الإمام الرضا على اهتمامه بولده الذي رُزق بعد عمر جاوز الأربعين عاماً، وأشار إلى مقاماته، ونصّ على إمامته، وأنه هو ولي الله والحجّة، فعن يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضا وهو بمكة وهو يقشر موزاً ويطعمه أبا جعفر، فقلت له: جعلت فداك هذا المولود المبارك؟ قال:”نعم يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه”(4) ما أعظمك يا مولاي أيّها الجواد، تأملوا فيما قاله الإمام الرضا بحقّه جيداً، ليتضح عظيم منزلته، ولشدة حبّه (عليه السلام) لمولوده ظن بعضهم إنما يفعل ذلك تعويذاً له وصيانة، لذلك فهو يعوّذه طوال هذه المدة، لكن الإمام (عليه السلام) أجاب المستفهم بأنّ حنوّه على ولده ليس لغرض التعويذ، بل إنّه يُلقي إليه أمر الإمامة وعلومها، فقال: “ويحك! ليس هذا عوذة، إنما أغرّه بالعلم غرا”(5)، وكان (عليه السلام) يطعمه بنفسه، وما كان يفارقه طويلاً حتى إنّه ليصطحبه في سفره وتنقلاته داخل المدينة وخارجها تنويهاً به ، وزيادة في إعظامه وإكرامه، وكان يناديه بكنيته وهو صغير، وهذا لا ينبع إلّا عن تخطيط لتهيئة الأمّة الإسلاميّة إلى ظاهرة الإمامة المبكّرة والتي لم تكن مألوفة لدى ذهنيّة الشيعة، فكان الإمام الرضا يهيئه للرأي العام والشيعة خصوصاً، فتسلّم الإمامة بعد أبيه الرضا وهو ابن سبع سنين تقريباً، فواجه بأبي وأمي امتحانات واعتراضات للتشكيك بإمامته، وتصدى لها بنور بريق الوحي، ففرّق بين الباطل والحق، وأبكم الأفواه، وأبهت المحتجين، وثبّت قلوب المؤمنين، وأزاح الأوهام والشكوك بفصيح بلاغته وبيانه، وكيف لا وهو وارث عيسى ويحيى اللذين آتاهما الله الحكم والحكمة وهم في الصبا، فقد روي أنّ علي بن حسان قال لأبي جعفر: يا سيّدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنّك، فقال: وما ينكرون من ذلك قول الله (عزّ وجل)؟ لقد قال الله (عزّ وجل) لنبيه (صلى الله عليه وآله): (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(6) فو الله ما تبعه إلّا عليّ (عليه السلام) وله تسع سنين، وأنا ابن تسع سنين”(7)، تعرّض الإمام الجواد إلى المضايقات من قبل المأمون وأرغمه على الزواج بابنته المكناة بأمّ الفضل التي كانت هي واسطة في قتل الإمام الجواد واغتياله بالسمّ. ومن أهم الأمور التي أفاض بها الإمام الجواد على شيعته هي (أدعية الوسائل إلى المسائل)، وهي مناجاة في طلب الحوائج، وفيها من الكنوز المعرفيّة ما تروي عطش الطالبين، وتنير طريق السالكين، ويروى أنّ تلك الأدعية جعلها حجة الله الجواد مهراً لابنة المأمون حينما خطبها منه بأمر من المأمون نفسه. ................................. (1) الكافي: ج1، ص423. (2) إعلام الورى: ج2، ص73. (3) موسوعة الإمام الجواد: ج1، ص21. (4) الكافي: ج6، ص514. (5) موسوعة الإمام الجواد: ج1، ص157. (6) (يوسف:108). (7) الكافي: ج1، ص569.