احتِرَاقٌ
لم تكن تظن أنها ستقبض على بداية تحقيق الحلم، وضع حياتها المنغلق لا يسمح لها برفع عينيها إلى السماء، ولا التطلّع نحو الأفق، في محكم دستورهم قانون يحكم أنّ المرأة جوهرة تُحفظ في صناديق الحفظ، وهي لؤلؤة أيضاً يجب أن تبقى في صدفتها حماية لها، تتساقط هممها، وتترنّح قوتها الجبارة، تتناثر أوراق أيامها الصفراء في صمت رهيب، تبعثر الأحرف، وتصنع الكلمة، وتبني المعاني، وتذروها في الفضاء، تنادي العالم في تساؤل علّها تحظى بإجابة مقنعة تحيلها إلى الموت الأبدي، تجد العالم يضجّ تائها يبحث في قاع الزمن، منهم مَن يحلّ عقدة، ومنهم مَن يربط شريطاً، ومَن يملأ كأساً بلذيذ الشراب.. أرهقها البحث والانتظار، تماهت مع شطحات أمنياتها، تقاذفتها زفرات الأنين والحنين، نثرت رماد صمتها الذي أحرقته الزفرات فوق سطح الماء، سرى مختلطاً برائحة الزبد، والشوائب، والحشائش، وعبق الزهور، حدثته موصية: يا فضائي.. يا قدري.. يا مياهي التي تشبعت بها شهقاتي، احملي رسائلي للبعيد عبر المساحات، واعزفي سيمفونيّة وجعي، لتصل إلى اليد التي تحمل رماداً محترقاً تذروه مع الرياح، علّه يعود يوماً، يحمله السحاب غيثاً، ويروي روحاً قدّمت نفسها قرباناً في سماء المغتربين (دورة حياة متكاملة تبدأ وتنتهي بالتضحية).