رياض الزهراء العدد 95 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيَات_32
(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)/ (النور:56-58) بعد أن وعد الله (عزّ وجل) المؤمنين بأنه سيمكّن لهم الأرض، ويجعل لهم من بعد خوفهم أمناً أردف ذلك بإقامة أمور الدين، فقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) بمعنى أيها الناس أقيموا الصّلاة على الوجه الذي رسم الله (عزّ وجل) لكم في مواقيتها، تامة الأركان والشُّروط, واعبدوا الله وحده لا شريك له. (وَآَتُوا الزَّكَاةَ) الَّتي فرض الله عليكم, لِما فيها من الإحسان للفقراء والضّعفاء والمساكين. لقد خصّ الله تعالى الصّلاة والزّكاة بالذِّكر لكونهما ركنين من التَّكاليف الإلهيّة الَّتي تدخل في ضمن نطاق طاعته (عزّ وجل)، فهما لا يكفيان من دون طاعة رسول (صلى الله عليه وآله)(1)، فالصّلاة: هي الوسيلة الَّتي توثّق الصّلة بين الخالق والمخلوق، وتقرّب النَّاس إليه، وتمنع عن الفحشاء والمنكر, والزَّكاة: هي الوسيلة الَّتي تربط الإنسان بأخيه الإنسان، وتقوّي ارتباطهما العاطفي، وطاعة الرّسول (صلى الله عليه وآله) تكونون بسببها المؤمنين الصّالحين الجديرين بقيادة الحكم في الأرض.(2) لمّا بيّن الله (عزّ وجل) حال مَن أطاع الرّسول (صلى الله عليه وآله) وأشار إلى فوزه بالرّحمة المطلقة لسّعادة الدّارين، عقّب ذلك ببيان مَن عصاه (صلى الله عليه وآله)، وما آل أمره في الدّنيا والآخرة، فيخاطب نبيّه (صلى الله عليه وآله) بعد الوعد بخطاب مؤكَّد أن لا يظن الكفُّار أنهم معجزون الله تعالى في الأرض، فيمنعونه بما عندهم من القوّة والشّوكة من أن ينجز وعده، وهذا في الحقيقة بشرى خاصّة بالنَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، بما أكرم به أمّته، وأنّ أعداءه سينهزمون ويُغلَبون، ولذلك خصّه بالخطاب عن طريق الالتفات.(3) ثم أخبر تعالى عن حال الكفّار في الآخرة، فقال: (وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، أي كما أنّا سنضيّق عليهم في الدنيا، وننكل بهم ولا يفلتون من عذابنا، سنجعل عاقبة أمرهم ناراً تلظّى, عقوبة لهم على كفرهم, وإنها بئس المرجع والمستقر والمأوى. بمعنى أنه إذا سارت هذه الأمّة على نهج الله (عزّ وجل)، وحكّمت هذا النهج في الحياة وارتضته في كلّ أمورها تحقّق وعده تعالى بالاستخلاف والتمكين والأمن, أمّا إذا خالفت الأمّة هذا النهج سوف يستبد بها الخوف والتخلّف وتخطفها الأعداء، ألا وإنّ وعد الله قائم وأنّ شرط الله تعالى معروف، فمَن شاء الوعد فليقم بالشرط.(4) إنّ أهم مسألة تابعتها (سورة النور), هي مسألة العفاف العام، ومكافحة الفساد الخلقي، وقد تناولت الآيات - موضع البحث- إحدى المسائل التي لها صلة بهذه المسألة، وشرحت خصائصها، وهي استئذان الأطفال البالغين وغير البالغين للدخول إلى الغرف المخصّصة للزوجين، فتقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)، فيجب على عبيدكم وأطفالكم الاستئذان.(5) (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) أي الأحرار الذين لم يبلغوا ولم يميّزوا بين العورة وغيرها ذكراناً كانوا أو إناثاً - وعبّر عن البلوغ بالاحتلام؛ لكونه أظهر دلالة أي مروهم أن يستأذنوا قبل الدخول عليكم حجراتكم، وحدّد الزمن بثلاث مرّات (أي ثلاث أوقات في اليوم والليلة)، وإنما خصّ هذه الأوقات؛ لأنّها ساعات الخلوة، ولما فيها من رفع الكلفة. ثم فسّر تلك الأوقات، فقال: (مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ)؛ لأنّه وقت القيام من المضاجع، فقد يكون الإنسان على حال لا يحبّ أن يراه أحد. (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ) أي التجرّد عن الثياب لأجل القيلولة والاستراحة حين انتصاف النهار، (وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ)، أي العشاء الآخر حين الاتّجاه إلى النوم, أمّا في غير هذه الأوقات فبيّن العلّة في ترك الاستئذان بقوله: (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ)، أي هؤلاء الخدم والصّغار يدخلون ويخرجون عليكم في الخدمة. فالله (عزّ وجل) عليم بصالح عباده، وحكمته تقتضي أن يضع هذه الأحكام الرشيدة لصلاح أمركم معاشاً ومعاداً. .......................... (1) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص252, ص253. (2) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج11, ص102. (3) الميزان في تفسير القرآن: ج15, ص158. (4) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص254. (5) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ص103. (6) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص256 - ص259.