مِن أَجلِ الفَرَجِ المَهدَوِيّ

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 137

ممّا لاشك فيه أنّ حاجة الإنسان تشتدّ وتكبر كلّما كانت الحاجة ماسة، وكلّما كانت الضرورة تحتّم على قضائها بإلحاح، فقد يعيش بعضهم حياتهم في سبيل تحقيق رغبات دنيويّة بحته، حيث تخفق الأحلام والمعاصي في سماء الدنيا الدنيّة. بينما يُشخص الآخرون أنظارهم ويعلّقون أمانيهم على درج الرضا الإلهي، حينما يتوجهون إليه، يرغبون جواره ويتركون زخرف الدنيا وبهرجها وزينتها، أولئك النفر الخلّص الذين يُباهي الله (عزّ وجل) بهم ملائكته وخلقه. في هذا مفترق طرق واختيار لأحد النّجدين، فكلّ حاجة يبتغيها العبد يجب أن تخضع لقانون الرضا الإلهي، فهو المقياس الصارم في فسادها وصلاحها، وما أحوج الوجود اليوم لحاجة ملحّة يُنقذ من خلالها كلّ المحرومين والمظلومين والجياع! إنها الحاجة الماسّة لظهور المنقذ الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. لعلّ الشفاه الضامئة ترتوي من عذب مائه الرقراق، ولعلّ العيون الذابلة التي تثاقلت سهراً تنعم بالراحة والهناء، ولعلّ الأكف المرتفعة إلى أفق السماء وهي تناشد الله تعالى بظهور المخلّص المغوار تحظى بقبول الدعاء، ولأجل ذلك يكرّر جميع الخلّص حاجتهم، ويردّدون الدعاء بتعجيل ظهور الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ ليعمّ الخير والهناء في ربوع الأرض قاطبة، ولأجل ذلك يعزف الموالون والمحبون في ليلة النصف من شعبان ذكرى الميلاد الميمون على طلب الحاجات بشفاعته وكرامته ومنزلته عند الله تعالى؛ لتتصاعد إلى الأفق تراتيل الحبّ والولاء، وليتنفس الوجود نفحات من هدي أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وقد صار إحياء أفراحهم سنّة لدى كلّ الموالين والعشّاق، ويبقى السؤال الذي يبرز بين السطور يقول: تُرى ما الطريقة المثلى لذلك الإحياء؟ هل تكفي صينيّة الشموع مع الورد والياس وهي تتوسط البيوت عربون حبّ وانتماء؟ أو يكفي الإحياء بهدير صوت المنشد وهو يذكر فضل المنقذ المغوار؟ أو يرى بعضهم أنّ غاية الإحياء إدخال السرور إلى قلب الإمام الشريف؟ ولعلّ الإجابة الأخيرة تولد وتفرز هي الأخرى سؤالاً آخر، يقول: تُرى ما العمل الذي يُدخل السرور على قلب الإمام الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ وقد ينسجم ذلك السؤال مع إحياء ولائي له، حيث يصادف الخامس عشر من شعبان ولادته الغرّاء، فيكون الجواب الأمثل أن يحتذي المحبّون أثره، وينتهلوا من عذب مائه، ويغترفوا من بحر جوده، خلقاً وصفات وسجايا، وأن يقطعوا أشواطاً كبيرة في أعمال البرّ والمعروف والخير؛ لأجل تعجيل الظهور الميمون، كما جاء في كلامه الشريف: "فليعمل كلّ امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا".(1) ولتجتمع القلوب المحبّة على الطاعة والإحسان والوفاء، كما ورد عنه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في قوله: "ولو أنّ أشياعنا وفّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا".(2) ولترتفع الدعوات في ذكرى مولده الأغر؛ كي يتنزل اللطف الربانّي بتعجيل الفرج، كما جاء عن لسانه الشريف: "وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرَجُكم".(3) فكلّ الحاجات الدنيويّة تتلاشى وتندرس قبال الحاجة الأهم في إرواء الدنيا من نبع خاتم الأئمة الصافي، كي يرسم مولده الأغر أمنيات جديدة وآمالاً في قرب اللقاء الميمون، حينئذ ستقرّ العيون, وتطمئنّ الصدور بالطلعة الرشيدة للإمام الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وينتهي أمد الظلم والجور. ............................. (1) الاحتجاج: ج2، ص324. (2) مكيال المكارم: ج1، ص120. (3) الاحتجاج: ج2، ص284.