مَسَائِلُ اختِلَافِ الشِّيعَةِ والسُّنةِ فِي الإِمَامَة
لقد طُرحت الإمامة في الفكر الشيعي كأصل عقائدي لا كحكم فقهي فرعي، إذ يعتقد الشيعة أنّ الإمامة ضرورة عقلية، وأنه يجب على الله تعالى إكمالاً لفرضه من بعثة الأنبياء (عليهم السلام) (وهو إقامة القسط والعدل في المجتمعات، لما فيه من تأمين السعادة الدنيوية للبشر، ومن ثمّ تهيئة أرضية تكاملهم وسعادتهم الأخروية الخالدة) أن ينصّب إماماً معصوماً على الناس، له ما للنبيّ (صلى الله عليه وآله) من الكمالات سوى الوحي. فالإمامة في مصطلح علم الكلام عبارة عن الرئاسة العامة الشاملة على الأمة الإسلامية وقيادتها في جميع الأبعاد والمجالات الدينية والدنيوية. وهذه الرئاسة والقيادة في رأي الشيعة إنما تكون شرعية، فيما لو كانت بتعيين من قبل الله تعالى، ولا يكتسب أيّ شخص مثل هذا المقام أصالة (لا نيابة) إلا إذا كان معصوماً من الخطأ في بيان الأحكام والمعارف الإسلامية، ومنزّهاً من الذنوب والمعاصي. ومن هنا يتبيّن أنّ اختلاف الشيعة وأهل السّنة في موضوع الإمامة يدور حول ثلاث مسائل: الأولى: لابدّ من تنصيب الإمام وتعيينه من قبل الله تعالى. فقال الجمهور إنّ البيعة لمن هو مستعد للإمامة، ولو استولى ذو الشوكة بشوكته على خطط الإسلام، فقد تعيّنت إمامته أو النصّ على تعيينه كما في أبي بكر وعمر، فإنّ أبا بكر أخذها بالبيعة له، وعمر بالنصّ منه، وعثمان بالشورى، وبعض الأموية والعباسية بالشوكة والاستيلاء. وقال الإمامية ليس الطريق إلى التعيين إلّا النصّ الجليّ القوليّ أو الفعليّ من قِبل الله تعالى، وقد قام الله تعالى بهذا التعيين بوساطة نبيّه (صلى الله عليه وآله) حيث عيّن أمير المؤمنين علياً(عليه السلام) خليفة من بعده مباشرة، وعيّن أحد عشر إماماً خلفاء من بعده. الثانية: لابدّ من أن يملك الإمام العلم الموهوب له من الله تعالى، وأن يكون مصاناً عن الخطأ، فيشترط كونه أفضل أهل زمانه في سائر الكمالات وإلّا لكان مساوياً لغيره أو مفضولاً (أي إذا كان هناك مَن هو أعلم منه) فإذا كان هناك مَن يساويه في العلم كان ترجيحه لأمر الإمامة وقيادة الأمة ترجيحاً بلا مرجح، وفي تقديمه وهناك مَن هو الأفضل فهم قبيح عقلاً وسمعاً. ولقد مرّ أنّ كلّ الكمالات التي اشترطنا وجودها في النبيّ (صلى الله عليه وآله) لابدّ من أن تكون موجودة في الإمام المعصوم، ككمال العقل، والذكاء، والفطنة، وقوة الرأي، وأن يكون أفضل أهل زمانه في كلّ ما يعدّ من الكمالات لقبح تقسيم المفضول على الفاضل عقلاً وهو ظاهر، ونقلاً كقوله تعالى: (..أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)/ (يونس:35). ويجب أن يكون منزّهاً عن الجهل، والجبن، والحقد، والحسد، والفضاضة، والغلظة، والبخل، والحرص، والسهو، والنسيان، والجذام، والبرص، وما شابه ذلك من العيوب البدنية، ولا يكون في آبائه دناءة، ولا عاهراً. الثالثة: لابدّ من أن يكون معصوماً من المعصية. والعصمة في مصطلح المتكلّمين تعني: قوة راسخة (ملكة) يمتنع بها الإنسان عن اقتراف المعاصي وارتكاب الأخطاء. والعصمة شرط في الإمام وإلّا لزم التسلسل واللازم كالملزوم في البطلان، إذ إنّ علّة احتياج الناس إلى الإمام إنما هي لإرشادهم وتعليمهم سلوك طريق الحق والفلاح، وأن يأمرهم بمحاسن الأخلاق، وينهاهم عن مسائها ويطلب منهم أن يلتزموا بأمره ونهيه، فلو كان الإمام(عليه السلام) جاز منه الخطأ لاحتاج هو نفسه إلى إمام آخر، والإمام الآخر احتاج إلى آخر وهكذا، وهذا تسلسل والتسلسل باطل. ولأنه حافظ للشرع وكلّما كان حافظاً وجب كونه معصوماً؛ لأنّ الحافظ للشرع ليس الكتاب العزيز والسّنة المتواترة؛ لأنّ كلّ واحد منهما غير وافٍ بأحكام الشرع، ولأنّ فيهما إجمال وتشابه، فلابدّ لهما من مفصّل ومبيّن. وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما”.(1) فإنّ الإمام ثقل القرآن، ومَن كان ثقل القرآن لابدّ من أن يكون أعلم الناس به، ومعصوماً من الخطأ في بيان تشريعه وأحكامه، فالعصمة ملازمة للإمامة لتحقيق الغرض من منصب الإمامة. ................................ (1) مستدرك سفينة البحار: ج8، ص232.