شَذَراتُ الآيَات_ 34

أزهار عبد الجبار
عدد المشاهدات : 228

(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ..) /(النور:60، 61) حكم الحجاب بالنسبة إلى النساء العجائز: لا يوجد خلاف بين علماء المسلمين في أصل هذا الاستثناء في حكم الحجاب؛ لأن القرآن الكريم صريح في هذا الأمر. فبعض الأحاديث تنصّ على أنّ المراد هو المرأة المسنّة, بينما فسرته أحاديث أخرى بأنه: القعود عن النكاح كما جاء في وسائل الشيعة الحديث الخامس, وأحاديث أخرى. وعدد من المفسرين يرون أنهنّ النساء اللاتي وصلن سنّ اليأس التي لا يتزوجنَ عنده أو التي لا يحدث معها حمل، وقد يحدث نادراً أن يقدم بعضهنّ على الزواج في مثل هذا العمر. كما جاءت تعابير مختلفة في الأحاديث الإسلامية حول المقدار من الجسم المسموح بكشفه؛ لأن القرآن الكريم ذكر المسالة بشكل عام، إذ قال: (..فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ)/ (النور:60)، ويقصد بهذه الثياب الملابس الفوقانية. وجاء في بعض الأحاديث جواباً على سؤال سائل: عن محمد بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (القواعد من النساء ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) قال: تضع الجلباب وحده.(1) عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قرأ (أن يضعن (من) ثيابهن) قال: الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنة.(2) وعلى كلّ حال فإنّ ذلك مسموح لهنّ بشرط أن يكنّ (غير متبرجات)، وأن يخفينَ الزينة التي تحت الحجاب, والتي من الواجب إخفاؤها من قبل جميع النساء, وأن لا يرتدينَ الملابس التي تتزيّن بها النساء, والتي تلفت أنظار الآخرين. وبتعبير آخر: مسموح لهنّ بعدم التحجب على أن يخرجنَ إلى الشارع بلباس محتشم من دون تزيّن بزينة. وهذا كلّه ليس حكماً إلزامياً، إذ إنّ الأفضل لهن يخرجنَ محجبات كالنّساء الأخريات، إذ هنّ معرّضات إلى الزلل، وإن كان نادراً.(3) ثم توعد الله (عزّ وجل) مَن يخالف تلك الأوامر فقال: (..وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)/ (النور:60)، مبالغ في جميع ما يُسمع, فيسمع بما يجري بينهنّ وبين الرجال من مقالة، (عليم) بمقصودهن وبما في قلوبهنّ، فإياكم أن يوسوس لكم الشيطان بمخالفة ما أمر به.(4) تحدّثت الآيات السابقة عن الاستئذان في أوقات معينة, أو بشكل عام حين الدخول إلى المنزل الخاص بالأب والأم. أمّا الآية (61) فإنها استثناء لهذا الحكم، حيث يجوز لبعضهم وبشروط معينة الدخول إلى منازل الأقرباء وأمثالهم، حتى إنه يجوز لهم الأكل فيها من دون استئذان حيث تقول هذه الآية: (..لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ..)؛ لأن أهل المدينة كانوا - كما ورد بصراحة في بعض الأحاديث – وقبل قبولهم الإسلام يمنعون الأعمى والأعرج والمريض من المشاركة في موائدهم, وينفرون من هذا العمل، وعلى عكس ذلك كانت مجموعة منهم بعد إسلامها تفرد لمثل هؤلاء موائد خاصة, ليس لاحتقارهم المشاركة معهم على مائدة واحدة، وإنما لأسباب إنسانية, فالأعمى قد لا يرى الغذاء الجيد في المائدة، وهم يرونه ويأكلونه وهذا خلاف الخلق السليم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأعرج والمريض, حيث يُحتمل تأخرهما عن الغذاء, وتقدّم السالمين عليهم، ولهذا كلّه لم يشاركوهم الغذاء على مائدة واحدة. ولهذا كان الأعمى والأعرج والمريض يسحب نفسه حتى لا يزعج الآخرين بشيء، ويعدّ الواحد منهم نفسه مذنباً إذا شارك السالمين غذاءهم على مائدة واحدة، وقد استفسر من الرسول (صلى الله عليه وآله) عن هذا الموضوع, فنزلت الآية التي تنصّ على عدم وجود مانع من مشاركة الأعمى والأعرج والمريض للصحيح غذاءه على مائدة واحدة. وقد فسّر آخرون هذه العبارة باستثناء هذه الفئات الثلاث من حكم الجهاد, أو أنّ القصد أنه مسموح لكم استصحاب العاجزين معكم إلى الأحد عشر بيتاً التي أشير إليها في آخر الآية، ليشاركوكم في غذائكم إلا أنّ هذين التفسيرين كما يبدو بعيدان عن قصد الآية.(5) ................................ (1) الكافي: ج5، ص522. (2) الكافي: ج5، ص522. (3) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج11، ص107، 108. (4) الحياة السعيدة: ص264. (5) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج11ص109.