وَحدَةُ التَّبلِيغِ النُّسوِيّ تُحَلِّقُ فِي سَمَاء ِالجُود
المرأة هي مرآة المجتمع، وهي تعكس أخلاق الأمم باعتبارها المدرسة الأولى التي تحتضن الأجيال, وتغذيهم بالقيم الدينية والعادات التربوية الصحيحة, ومن ساحة الجود انبثق عمل التبليغ الدينيّ النسويّ للعتبة العباسية المقدسة, لكي ترعى شريحة النساء ولتنشر لديهنّ الوعي الثقافي الديني ولتكون لهنّ خير معين لانتشالهنّ من الجهل بالقانون الربانيّ ليصبحنّ مستعدات لممارسة دورهنّ السليم في المجتمع لزرع المبادئ والأخلاق السامية في فلذّات أكبادهنّ ليسمو المجتمع إلى كلّ خير وصلاح. وللتعرف أكثر على عمل التبليغ النسويّ في العتبة العباسية المقدسة التقينا بالأخت (أم حسين) إحدى مسؤولات التبليغ، وسألناها: ما هي الغاية المرجوة من فتح وحدة التبليغ النسويّ في العتبة العباسية المقدسة؟ بما أنّ المرأة هي النواة الأساسية للأسرة، حيث تقع على عاتقها مسؤولية بناء الأسرة قال الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراق ومن هذا المنطلق كان لوحدة التبليغ الديني النسويّ في العتبة العباسية المقدسة هدفها الأساسي، وهو نشر الوعي الدينيّ الثقافيّ المستمد من علوم أهل البيت (عليهم السلام) بين صفوف النساء، والتركيز على اليافعات منهنّ لتنشئتهنّ دينياً وأخلاقياً واجتماعياً عن طريق إعطاء الدروس الفقهية والعقائدية والأخلاقية كي تؤدي المرأة دورها كأمّ وأخت وزوجة بنجاح, فكان من نشاط هذه الوحدة ومبلغاتها التركيز على طرح المسائل الابتلائية سواءً المسائل الفقهية التي لها علاقة وطيدة بصحة عباداتها ومعاملاتها أم المسائل العقائدية وما تواجهه اليوم من مختلف وسائل الغزو الفكري كالتقنية الحديثة أو الموضة الحديثة أم المسائل العقائدية المتمثلة بشقّ عصا المسلمين عن طريق بث النعرة الطائفية بين صفوف المسلمين لتحقيق سياسة (فرّق تسد). فكان نشاط هذه الوحدة يقتصر على زائرات المناسبات الدينية المليونية, وبعد الغزو الداعشي على العراق ونزوح الآلاف من العوائل المؤمنة من المناطق الساخنة ارتأت الأمانتان العامتان للعتبتين المقدستين المتمثلة بأبنائها (أدام الله عزهم وحفظهم) الإحاطة بهؤلاء النازحين والتخفيف عنهم وشدّ أزرهم وتقديم يد العون المعنويّ لهم ومؤاساتهم على قبول هذا الابتلاء والرضا أسوة بأئمتهم (عليهم السلام) وحثّ أبنائهم على الدفاع عن مدنهم وأوطانهم جنباً إلى جنب مع الجيش العراقي والحشد الشعبي حتى لا يتمكن هذا الغزو المقيت من تحقيق مآربه الدنيئة في انتهاك أرض العراق وعرضه ومقدساته وإعلاء راية الكفر والنفاق فيه, ولكن (..وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)/ (التوبة:32). وطرحنا كذلك العديد من الأسئلة على الأخت (أم شاكر) وهي المسؤولة الأخرى عن التبليغ، لتعرفنا على بدايات العمل في التبليغ؟ انبثق عملنا في الزيارات المليونية التي تحتضنها محافظة كربلاء المقدسة وأخصّ بالذكر الزيارة الأربعينية والزيارة الشعبانية لسيّد الشهداء وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) إذ نحاول أن نجذب الزائرات الكريمات بأسلوب لطيف إلينا عن طريق السؤال عن أحوالهنّ وعن المعاناة التي تكبدوها في أثناء السفر، ثم نطرح لهنّ بعض الأمور الفقهية والدينية، ونركز على أداء فريضة الصلاة بصورة صحيحة باعتبارها عمود الدين, ونبلّغهم بأهمية الوضوء فلا تصحّ الصلاة من دون وضوء صحيح, ولاحظنا تجاوب كثير من الأخوات الزائرات وانهالت علينا الأسئلة المختلفة وبخاصة فيما يتعلق بأحكام العبادات الخاصة بالنساء، وذلك خلال تواجدنا في سرداب الإمام الجواد(عليه السلام). الفتيات في عمر المراهقة تكون لهنّ استفسارات عن الأحكام الفقهية، وربّما يترددنَ في الاستفسار عنها مع أقرب الناس إليهنّ، هل كان لوَحدة التبليغ دور في الإجابة عن أسئلتهنّ؟ لقد قدّمنا لهنّ بعض المحاضرات الفقهية والأخلاقية في العطلة الصيفية في مجمع سيّد الشهداء(عليه السلام) إذ كان المجمع يستضيف المخيمات الكشفية التي أقيمت لفتيات الإعدادية باتفاق العتبة المقدّسة مع مديرية تربية كربلاء، كما ركزنا في هذه المحاضرات على ربط الفتيات بالجانب الروحي مع الأئمة المعصومين(عليه السلام) لبناء جسر روحي بين الفتيات والدين بإشباع قلوبهنّ بحبّ محمد (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام). “ارحموا عزيز قوم ذل..”(1) حديث شريف للرسول (صلى الله عليه وآله) يطلب فيه الرحمة للناس العزيزين في قومهم, من هذا الباب، كيف تعاملتم مع مشكلة النازحين الذين أصبحوا في وطنهم لاجئين؟ لقد تعاملنا مع هذه المشكلة بشكل خاص وحسّاس لما عانته هذه الشريحة من ظلم واستبداد من قبل العدوان الداعشي، فلقد وجدوا أنفسهم في يوم وليلة مشردين، وأصبحوا بلا مأوى يضمّهم ففقدوا كلّ ما يملكونه من غالٍ ونفيس, فكان علينا التخفيف من وطأة ما يعانوه وقد استنفرت العتبة كلّ جهودها لمحاولة احتضانهم وتقديم المواد الغذائية لهم، وكذلك معونات مالية وكسوة صيفية في فصل الصيف وكسوة شتوية في الشتاء, وذلك بتوجيهات من الأمين العام للعتبة العباسية المقدّسة السيّد أحمد الصافي (دام عزه) الذي حرص كذلك على توفير سيارات خاصة للمبلّغات لذهابهم وإيابهم لتبليغ النازحين وتذكيرهم بمصائب أهل البيت (عليهم السلام) وبخاصة مصيبة سيّد الشهداء(عليه السلام) وتذكيرهم بسبي زينب الحوراء (عليها السلام), وما عانته من ظلم وغربة وسلب، ومسيرة الأسر المؤلمة في أثناء طريقها إلى الشام, فعليهم أن يتأسوا بها وبشجاعتها, ولقد وجدنا تجاوباً جيداً من قبلهم وكانت الابتسامة ترتسم على ثغورهم عند لقائنا الأسبوعي معهم لإلقاء المحاضرات الدينية والأخلاقية، ودروس خاصة بقراءة القرآن الكريم، كما ساهمنا في حلّ بعض مشاكلهم الاجتماعية والتي تحدث نتيجة لوجود أكثر من عائلة نازحة تسكن في مكان واحد, ولاحظنا تجاوبهم معنا, إذ كانوا متعطشين لنهل علوم أهل البيت (عليهم السلام), ففتحنا مدارس فقهية لهم في الحسينيات التي يقطنونها بتوجيهات من الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة السيّد أحمد الصافي (دام عزه)، ووزّعنا عليهم كتب الفقه والعقائد والأخلاق وجهّزناهم بالقرطاسية لتشجيعهم على الدراسة، وليتعلموا أمور دينهم, ولقد وجدنا ثمار ذلك التعب إذ انتهت المرحلة الأولى من الدراسة. هذه بعض نشاطات التبليغ النسوي في العتبة العباسية المقدسة, والتي تصبو إلى نشاطات أخرى في المستقبل القريب كتبليغ بعض نساء عوائل الحشد الشعبي, إذ قدّمت هذه الشريحة من النساء أقرب الأنفس إليهنّ وأعزّها سواءً كان الابن أم الأخ أم الزوج أم الأب، واضعات أمام أعينهنّ مصيبة السيّدة الحوراء (عليها السلام) في التضحية والإيثار, فكان لابدّ من احتوائهنّ من قبل الأخوات المبلّغات في العتبة، وهنّ مشكورات على جميع الجهد الذي يبذل من أجل رفعة الإسلام وإيقاد صحوة التمسّك بالدين والأخلاق, فلهنّ خالص التحية والثناء. .................................. (1) شرح إحقاق الحق: ج12، ص4.