أَطهَرُ قَلْبٍ

زينب علي عمران/ قناة كربلاء الفضائية
عدد المشاهدات : 157

كعادتي في كلّ يوم أصلُ إلى مكان عملي بواسطة مركبات النقل العام، وبحمد الله جاءت السيارة، وبعد معاناة في الصعود جلست قرب النافذة، فأنا أحبّ فتحها لأستنشق هواء الصباح المنعش بدلا من دخان السكائر الذي يملأ السيارة، حاولت فتح النافذة بقوة فلم تُفتح؛ لأنها مغلقة بإحكام، حيث تمّ لصقها بعناية كبيرة بسبب تعرّضها للكسر، أصبت بالانزعاج قليلاً؛ لأنّ السائق كان يرمقني بنظرات يتطاير منها الشرر، وكأنه يقول: (أنتِ ماذا بكِ، أبعدي يدك عن النافذة، ستحطمينها، اجلسي واصمتي). وبينما أنا كذلك لمحت امرأة كبيرة في السنّ تقف على رصيف الشارع تتكئ على عكّاز وتلوّح بيدها لإيقافنا، وقفت السيارة بجانبها وبخطوات متثاقلة فتحت الباب وحاولت الصعود فلم تستطع، نظرت إليّ بعينيها المجعدتين، وقالت: (ساعديني يا ابنتي أنا مثل جدّتك). أسرعت وأمسكت يدها وأجلستها بجانبي، وبعد أن انتظم تنفسّها أمطرت مسامعي بآيات الحفظ والدعاء بالصحة والتوفيق، وأكثرت من الشكر لله تعالى لتسهيله أمر خروجها لزيارة مرقد مولاي الحسين(عليه السلام). انشرح صدري لسماعي تراتيلها الروحانية الجميلة، وفي اللحظة نفسها أحسست بخفقة حنين عصرت قلبي، وهطلت مدامعي، فراودني هذا السؤال: تُرى كم مضى من الوقت ولم تنتعش أنفاسي بكلمة (جدّتي)؟ سرح بي تفكيري لأطيب قلب عانق طفولتي، بتقاسيم وجهٍ أتعبته أحزان السنين، مرت ذكرياتي مع جدتي رحمها الله تعالى أمام عيني كشريط سينمائي جعلني أنسى أين أنا، أشاهده بضحكة صامتة رسمتها دموع الشوق لتلك الإنسانة التي لن يكرّرها الزمن في حياتي، وبينما أنا مستغرقة في تفكيري، سمعتها تقول: (الحمد لله وصلنا بسلامة ببركة حبيب الزهراء (عليها السلام) مولاي أبي عبد الله(عليه السلام)) ونظرت إليّ وقالت بصوت تعلوه روح الفكاهة: (هل ستبقين جالسة في السيارة؟ ألن تتركيها اليوم؟) تبسمت في وجهها، ومسحت دموعي بسرعة، فقد فهمت ما تريده، وقلت لها: (نعم جدّتي الغالية، سأنزل هيا أعطيني يدك كي نتركها معاً). وبقيت ممسكة بيدها بقوة من دون شعور وهي تسرد لي مواظبتها على أداء مراسيم الزيارة كلّ يوم خميس على رغم من تقدّمها بالسنّ، واصلت سيري معها في شارع يحمل عبق الماضين، وربّما يصبح هو الآخر إحدى ذكرياتي الجميلة.