رَدمُ الهُوَّةِ الفِكرِيَّةِ لِتَحصِينِ المَرأَةِ المُسلِمَة

د.حنان العبيدي
عدد المشاهدات : 159

منذ أن وضعت الصهيونية العالمية نصب أعينها تفتيت عناصر قوة الدولة الإسلامية، ذهبت إلى دراسة هذه العناصر ومساراتها التي تم اعتمادها في بناء منظومتها الفكرية والعملية، ولمّا كانت الأسرة هي عماد الحياة وقناتها الأولى كان عليها أن تفكر بشتى الأساليب لتفتيت مقومات تماسكها في الجوانب (النفسية والعقلية والاجتماعية والصحة الجسمية)؛ لذا دأبت في تناول كلّ عنصر من عناصر هذه المنظومة ووضع المعول الذي يناسب تقويضه، ولمّا كانت المرأة هي المحرك الأساس في الأسرة كونها تضطلع بتشكيلها لمكونات الأفراد وبنسب تحددها مكانة كلّ فرد فيها، فكان العمل جاداً وجاهداً في مسخ هذه الدعامة المهمة، ألا وهي (المرأة) سواء داخل الأسرة أم المجتمع. ولمّا كان المجتمع الإسلامي مجتمعاً قيمياً تتحكم فيه مسارات خطّها دستور الله في الأرض ألا وهو (القرآن الكريم) وسيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، لذا تحتم الاحتكام إلى هذا الدستور، وإنّ معيار النهج الصحيح للنساء هي سيّدتهنّ (فاطمة الزهراء (عليها السلام))؛ لذا كان حريّ بالأمة الإسلامية أن تتخذها (قدوة وأسوة حسنة) تستنبط منها كلّ المضامين التربوية والنفسية والأخلاقية، لا أن تتعامل معها مجرد قضيّة للتذكرة في مناسبات محدودة تتناول بعض الظواهر الجزئية التي تثير العاطفة أحياناً والشفقة أحياناً أخرى، في حين جعلها الله جلّ وعلا نبراساً لهداية مَن في (الأرض) أجمع حتى يرثها خالقها. ولمّا كانت العوامل الفكرية هي حجر الأساس في تغيير المجتمعات، كانت الأسلحة الموجهة لنساء الأمة فكرية وثقافية بالدرجة الأساس، فقد اجتمعت عليها قوى الشر والظلام موظفةً كلّ طاقاتها في هجوم تسرب عبر جميع المسامات والاتجاهات، والذي يُعرف بالمصطلح النفسي بعملية (التغطيس)، وهي أن يُحاط الفرد أو المجتمع من كلّ الجوانب حتى لا يجد مفراً من الإيمان بالفكرة أو المنهج المطلوب لاقتنائه والعمل باتجاهه، وهذا ما استعمله أعداء الإسلام للوصول إلى غاياتهم فيما يخصّ هدم الأسرة المسلمة عن طريق المرأة، فانطلقت تلك القوى ببث التقنيات والأجهزة والأساليب التي تجعل من كلّ فرد من أفرادها أسيراً مما مكنهم من استلاب اللب والوقت والمضمون. وكان نصيب (المرأة) هو الأوفر لما تعانيه من ضغوط تفوق قدرتها على التحكم بمفردات الحياة الصعبة؛ لذا ينبغي وانطلاقاً من نهج المدرسة المحمدية التي وضع الله جلَّ وعلا فيها أسرار الكون ألا وهي السيّدة (فاطمة الزهراء (عليها السلام)) أن تنطلق حملة تشترك فيها كلّ المؤسسات في ترجمة سيرة ربيبة الوحي ووعاء الإمامة والنبوة ومضمونها في منهج عملي، يسحب البساط من تحت الماكنة الإعلامية والفكرية التي تغلغلت في أعماق مكوناتنا الاجتماعية لاسيّما التي صارت أكثر إدماناً وأسراً لهذا النهج الهدّام. ولغرض إعادة العجلة إلى مسارها القويم، يتطلب أن تشترك في هذه الحملة القيادات الدينية والسياسية والمجتمعية وبأسلوب الردع بالاتجاه المعاكس بما يناسب كلّ سلاح من ناحية (القوة والاتجاه والمضمون)، كي نصل إلى مرحلة (التثبيت) ومن ثمّ الانطلاق إلى مرحلة الصّلاح في مسار الأمة والتأثير في منظومتها. المشكلة أنّ الردّ بالأسلوب والمنطق نفسيهما لا يشكل حلاً ناجعاً، بل البحث والتمحيص في إغراءات أكثر جدوى انطلاقاً من دراسات (نفس مجتمعية) تشخص الخلل وتداوي العلل، عندها تنطلق الحملات المباركة في مواجهة المدّ الهادر لتقويض دعائم الأمة انطلاقاً من نواتها.