طِيبَةُ تَحكِي آلَامَهَا
أنا أرض هيّأت نفسي لتدوس عليّ أقدام الطيبين، فلقد طيب تربي منذ أن شرفتني خطوات سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله).. وأخيه المرتضى(عليه السلام) ذاك البطل الضرغام الملقب بأبي السبطين، وفيّ آثار أقدام الحسن المجتبى(عليه السلام) وهو يلاعب أخاه السبط شهيد كربلاء، وكم مرة سقطا على تربي فغصصت برملي حناناً على الصّبيين، وهنا كانت.. السيّدة الزهراء (عليها السلام) تمشي وتنادي هل مِن معين؟ ضربوها، ألّموها، بل تعدّوا الحدّ في أن كسروا ضلعاً، وأسقطوا جنيناً.. وهنا كانت تنادي سيّدة جليلة، ولدي، قرة عيني يا حسين، أتعرفون مَن هي؟ تلك التي صنعت قبوراً وانحنتْ من حزنها، إنها الوفيّة أم البنين (عليها السلام).. كم واست بدمعها الحوراء زينب (عليها السلام)، فوضعت آلامها عصابة شدّتها على الجبين.. وها هو الرمل يذكر قطرات من دموع السّجاد زين العابدين(عليه السلام)، بدعاء وتهجّد عندما الليل يغادر ويسلّم، ويودّعه بنسمات الحنين، وهو يعلم أنه لم يغمض جفن الحزن عينا.. والباقر(عليه السلام) وابنه الصادق(عليه السلام) كانا منارةً للتقى والعارفين، ووساماً للثريا، ملآ الدنيا علوماً، وجنّدا الأرواح فقهاً، وبيّنا المنهج وأقاما ما اعوجّ من الدين القويّم، بعدها باتا قبوراً حُفرت في أحداق كلّ عين.. البقيع كان نوراً يلتجئ الضال إليه، وفيه يرتاح من عبء السنين، هدّموا الصّرح الذي بات مناراً للمحبين، زرعوا الشوك عليها حتى تدمي أقدام أمّ الحسين(عليه السلام)، عرفوا أنها سكنت أرض البقيع تجاور أولادها وتئنّ معهم على الحسين(عليه السلام)، فصبراً يا أرض البقيع، لنا في الأفق رايات تنادي يا لثاراتِ الحسين.. يحملها مهديّنا الذي طال انتظاره من سنين، سيأتي حتماً، ويكون البلسم الشافي لجراحات الموالين وعذاباتهم، فصبراً يا أرض البقيع صبراً..