إِلى الطَّائِف
بخطى واثقة ثابتة ومؤمنة بخالقها وخالق الكون ذهب لينشر رسالته السّماوية بعد أن توفي عمّه أبو طالب(عليه السلام) الذي كان سنده في ردع أذى قريش عنه، وحين دخوله إلى الطائف وبكلّ ثقة أخذ يدعوهم حاملاً بيديه أدلته الإلهية، وبدلاً من أن يرحبوا به وجد القساوة تغلبهم، ولم يكتفوا بذلك بل ردّوا على أدلته ساخرين، حتى قال أحدهم: "أعجزٌ على الله أن يرسل غيرك"(1) ولم يكتفِ عند هذا الجواب، فظلّ يدعوهم إلى عبادة الله (عزّ وجل)؛ لأنه هو موجد هذه البشرية، لكن زعماء ثقيف زادوا عناداً وأخذ سفهاؤهم يرموه بالحجارة حتى نزفت قدماه دماً، ونادى ربّه قائلاً: "اللهمّ إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين.."(2)، ولم يلق رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) رحمة منهم إلّا من رجل نصرانيّ ضعيف عرف صدق الرسول (صلى الله عليه وآله) وقدره، وبعدما يئس (صلى الله عليه وآله) من استجابتهم رحل عنهم راجعاً إلى مكة، وفي أثناء طريقه وفي جوف الليل وهو يصلي استمع إليه نفر من الجنّ وقد آمنوا به، وذُكرت هذه الحادثة في القرآن الكريم( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ..)/ (الأحقاف:29)، وأتى هذا الأمر رحمة وتكريماً إلى نبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعد ما عاناه من معاملة سيئة. ولم تتوقف مسيرته في نشر الدين الإسلامي الحنيف، وإرساء تعاليمه الصحيحة بين الناس جميعاً وبين القبائل الأخرى، واستمر فاتحاً سائراً على هذا النهج الإلهي، وظلّ يرسل السّفراء إلى ملوك عدة ومن مختلف الأديان السّماوية، ولم ييأس فقد استمر جهاده حتى علت كلمة لا إله إلا الله منتشرةً في عموم الأرض. ............................ (1) أعلام الهداية: ص108. (2) أعلام الهداية: ص108.