سِرَاجُ حَيَاتِي
كانت بركات أمي تنعش قلبي وحياتي، فهي البسمة التي تسعد قلبي، وهي اليد المعطاء التي تمدّني بالخير والوفاء.. خُطبتُ صغيرة لا أعي من دنياي غير أمي، ولا أعرف سواداً في حياتي إلّا عندما أفتقد وجودها إلى جانبي، كنتُ ألجأ إليها في كلّ كبيرة وصغيرة.. كانت لي خير دليل عندما توجهت إليها لأسألها عن رأيها في زواجي المبكّر.. أجابتني ومحيّاها يشّع بنور الابتسامة الحانية: ـــ عزيزتي، أنتِ في سنّ قطف الزهور، أنتِ الجنّة التي سيحيا فيها أبناؤك وزوجك، فلا تحرميهم منكِ.. ـــ لكن يا أمّاه، أنتِ وحدكِ هنا، كيف أترككِ وأبعد عنكِ..؟! ـــ غاليتي نور، أنا أضحّي بعمري كلّه في سبيل إسعادك، ولا أضحي بسعادتكِ لأجلي.. دلّتني أيّ الطرق أسلك؟ ومن أيّ منها أضجّ وأبتعد؟ كانت الخيرات تهلّ من سمائي كثيرة ووفيرة، الكلّ من حولي يندهش أيّ خير يعمّ حياة نور تلك الابنة الصغيرة التي تزوّجت وهي لا تعي من أمور الدنيا شيئاً.. أيّ تربية تلك التي تربّت عليها..؟ وبأيّ مدرسة تعلّمت تلك الأخلاق والصفات الجليلة..؟ إنها أمي خير مدرسة، وأعمق تعليم.. نجحت في زواجي وفي عملي، وخيرات من الله يرزقني بها متواصلة، متكرّرة.. كلّ مشكلاتي لا تأخذ من وقتي الكثير حتى تحلّ ببركات رأي أمي ومشورتها.. وببركات دعائها الذي كلل حياتي باليسر والفرج.. كانت تعمل أي شي لكي تعينني على مرّ الحياة، فينقلب مرّها سكّراً.. اهتمت بتفاصيل حياتي صغيرها وكبيرها، حتى أبنائي لم أشعر بالتعب معهم بمعونتها.. دخلتُ عليها يوماً آتية من عملي وأنا في أشد الإرهاق والتعب، جلستُ إلى جوارها وكانت مستلقية في سريرها تئنّ والصفرة تعلو قسمات وجهها المنهك.. ما إن انتبهت لي حتى دبّت الحركة فيها ونهضت، وكأنّ شيئا لم يكن.. لكني استوقفتها بدهشة، ونظرتُ إلى وجهها أتفحّصه، وجابهتني بنظرات تائهة.. تخفي عنّي ما تعانيه، تبتسم بمرح؛ لكي تشعرني أنها بخير، وأنّ سراج حياتي ما يزال يشتعل.. لكن هيهات تلك الغيمة السوداء ظللت تلك سمائي المشرقة التي عشت فيها سنيناً، وخطفت منيّ أعزّ مخلوقة على الأرض، خطفت مني روح أمي.. من حينها تراكمتْ عليّ الأمراض، والمشاكل، والهموم، وها أنا أكافح وأعاني وحدي، أجاهد تحت حرّ الفقد، وقسوة الفراق، وخسران نعمة احتواء الأم ودعائها.. أشياء كثيرة تغيّرت في حياتي وتأزّمت منذ فقدت خيمتي التي تسترني من صقيع الشتاء وحرّ الشمس.. فأين نَداكِ ولطفكِ يا أمي..؟!