رياض الزهراء العدد 79 نور الأحكام
مِن وراءِ حِجَاب
قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)/ (الأحزاب:53). يريد المولى تبارك وتعالى أن يطهّر قلوب عباده، وقد شاء أن يرسم تلك الحدود وبدقة معرضاً تارة ومصرّحاً تارة أخرى؛ ليُلقي بذلك الحجة البالغة على عباده، ويقلع مغارس الشيطان من نفوس ادلهمّت في غياهب البعد عن ساحة الرحمة الإلهية، فلهذا جاءت الآيات والروايات محذرة من مغبة الاختلاط المقيت الذي قد يحصل بين الرجل والمرأة. ولعلّ الكل يعرف معنى الحجاب من كونه ساتراً للمفاتن، ولكن القرآن وعن طريق الآية المتقدّمة يعطي معنىً جديداً للحجاب، وهو الستر في الكلام بين المرأة والرجل، وما أكثر تلك الأحاديث في هذا المجال منها عن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: "حديث النساء من مصائد الشيطان"(1)، ومنها ما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) حيث قال: "أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) البيعة على النساء: أن لا ينحن، ولا يخمشن، ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء"(2). وعن أبي بصير قال: كنتُ أُقرئ امرأة القرآن وأعلّمها إياه، قال: فمازحتها بشيء، فلما قدمت على أبي جعفر (عليه السلام) قال لي: "يا أبا بصير أيّ شيء قلت للمرأة؟! فقلت بيدي هكذا - يعني غطيت وجهي - فقال: لا تعودنّ إليها".(3) ولماذا كلّ ذلك التشديد وهذا الاحتياط الشديد؟ نعم، هو الحصن والسور الذي يريد المولى تعالى أن يحصّنا به، ليطهّر قلوبنا، ويُذهب عنّا رجس الشيطان، لتنعم الأمة بغايتها الحقيقية ألا وهي التكامل والرقي في مدارج العلم والمعرفة، والالتزام بالمناهج والسنن الإلهية قال تعالى: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)/ (الأنفال:42). ....................................... (1)دعائم الإسلام: ج2، ص114. (2)مستدرك الوسائل: ج2، ص342. (3)بحار الأنوار: ج46، ص257.