رياض الزهراء العدد 96 أين صراطي المستقيم؟
زَهرَةُ الحَسَنِ(عليه السلام).. فِي أَحضَانِ الزَّهرَاءِ (عليها السلام)
لقد حبا العزيز الجليل الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) نعماً ربانية جزيلة وافرة في خلقه وإنباته وليداً مباركاً في أشرف خلية اجتماعية وإنسانية وُجدت على وجه البسيطة، ففي السنوات السبع والنصف أو الثمان الأولى من عمر الإمام الحسن(عليه السلام) المبارك كانت قد استأثرت به والدته الزهراء (عليها السلام)، إضافةً إلى رعايةٍ واهتمامٍ وحرصٍ أبويّ مميز من لدن النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام)، فلقد عاش في كنف الزوجين النموذجّيين في الإسلام، واللّذين ضربا المثل الأعلى للأخلاق الإسلامية السامية بفضل دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) في ليلة الزفاف ووصاياه المقدّسة لهما. في بيت إيماني كهذا، يتنسم عبق النبوة والإمامة، حملت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بولدها الإمام الحسن وعمرها 12 سنة(1)، ومن نور النبوة وامتزاجه بنور الوصاية انبثق نور الإمامة في بيت مبارك وشهر مبارك، ففي شهر الله تعالى شهر الصيام كانت ولادة إمامنا الحسن(عليه السلام). لقد أجمعت المصادر على ولادة الإمام الحسن(عليه السلام) بالمدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاثة للهجرة. وذكر الشيخ المفيد أنّ كنيته (أبو محمد)، وكان الحسن(عليه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقاً وهَدياً وسؤدداً.(2) وقد تولى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) التبشير بمولده وتسميته والعقّ عنه، فعن علي بن الحسين(عليه السلام)، عن أسماء بنت عميس، عن فاطمة (عليها السلام) في حديث طويل: “.. فسمّاه الحسن، فلما كان يوم سابعه عقّ عنه النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذاً وديناراً، وحلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر ورقاً، وطلى رأسه بالخلوق..”.(3) كان الإمام الحسن(عليه السلام) يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخلقة والخلق، وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول للحسن(عليه السلام): “أشبهت خَلْقي وخُلُقي”(4)، إنه (عليه السلام) كان أشبه بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) من الرأس إلى الصدر(5)، وقد استحوذ على محبّة جدّه هو وأخوه الإمام الحسين(عليه السلام)، قال (صلى الله عليه وآله): “الولد ريحانة وريحانتاي الحسن والحسين”(6)، واسما الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة، ولم يكونا في الدنيا، وإنّ الله تعالى حجب هذين الاسمين عن الخلق حتى يُسمي بهما ابني السيّدة فاطمة (عليها السلام). فكيف أدّت مولاتنا الزهراء (عليها السلام) دور الأم والمربية للإمام الحسن(عليه السلام)، باكورة فرحتها بالأمومة؟ وما الذي اقتطفته ذاكرته من طفولة لم تتعد بضع سنين؟ إنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) كانت أمّا قبل ولادتها للإمام الحسن(عليه السلام)، فهي أمّ أبيها بكلّ فخر، هذه الصبية المخلصة في سدّ الفراغ العاطفي في قلب النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فغدت أمّاً قبل أن تكون أمّاً..! إنّ السيّدة الطاهرة (عليها السلام) على صغر سنّها وهي تخوض غمار تجربتها كأم، كانت مربية كبيرة، كيف لا وهي تحتضن وليدها جامع الحسن في صفات ومزايا وأوصاف تناغي أوصاف أبيها الحبيب؟ فتشتعل حرارة الوجد في قلبها للصورة المصغّرة من نبيّ الأمة يتبرعم بين ظهراني بيت الإمامة. لقد عكفت السيّدة الزهراء (عليها السلام) على إظهار محاسن وليدها الإمام الحسن(عليه السلام) بالاهتمام به والاعتناء بتربيته بدنياً ونفسياً وذهنياً، فها هي ترسل له ذؤابتين في القرن الأيسر، وتثقب الأذن اليمنى لتصنع في شحمة الأذن قرطاً، وفي الأذن اليسرى في أعلاها شنفاً، أمّا زغب ريش جبرائيل فكان يُجمع ليُجعل في تمائمه(7). والأحاديث المتواترة كثيرة عن اهتمام السيّدة الزهراء (عليها السلام) بمظهر ولدها الإمام الحسن(عليه السلام)، وإنها ما كانت تُخرجه من الدار إلّا وهو مغتسلٌ متزيّنٌ. لقد عاش مولانا الإمام الحسن(عليه السلام) في ظلّ أمه الزهراء (عليها السلام) أنصع أيامه البيض الحافلة بالنور في المدينة المنورة، يوم كان يدرج فيها بموقعه المميّز ومقامه المدلّل المرموق بين أقرانه وأترابه، مستشعراً بألمعيته المبكرة، واهتمام النبيّ (صلى الله عليه وآله) به عظّم مكانته بين المسلمين وإن كان طفلاً بعدُ. فقد أغدق النبيّ المصطفى (صلى الله عليه وآله) عليه الكثير من الأقوال والأفعال الدالة على عظم مكانته عند الله (عزّ وجل)، حيث قال (صلى الله عليه وآله): “حسن منّي وأنا منه، أحبّ الله مَن أحبّه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط”.(8) فالرسول (صلى الله عليه وآله) تولّى تربية سبطه، وأفاض عليه مكرمات نفسه، والإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) غذّاه بحكمه ومثله، والعذراء القدسية أفضل بنات حواء قد غرست في نفس وليدها الفضيلة والكمال، وبذلك سمت طفولته فكانت مثالاً للتكامل الإنساني، وعنواناً للسمو والتهذيب، ورمزاً للذكاء والعبقرية. ................................. (1) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: ص163. (2) كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج1، ص486. (3) وسائل الشيعة: ج21، ص408. (4) مستدرك سفينة البحار: ج5، ص345. 5) شرح إحقاق الحق: ج26، ص319. (6) الخصائص الفاطمية: ج1، ص203. (7)الإعتقاد في مناقب سادات العباد. (8) ميزان الحكمة: ج1، ص156.