رياض الزهراء العدد 97 نافذة على المجتمع
نافذة على المجتمع
كثير من الضحايا قد خلفتها الحروب والأزمات، ومنهم الكثير من الأيتام الذين ظلّوا بدون معيل يكفل أبسط حقوقهم للعيش بكرامة في هذه الحياة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة”، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى(1)، لكن الله (سبحانه وتعالى) بعث مَن يمدّ لهم يد العون ويُساعد هؤلاء البراعم النضرة، ومن المؤسسات التي مدّت يدّ العون لهم مؤسسة اليتيم العراقي/ فرع مدينة كربلاء المقدسة، والتقينا بالسيّدة فوزية هادي الكاظمي/ مديرة المؤسسة، لتعطينا خلفية عن المؤسسة ونشاطاتها ولتكون هذه المؤسسة مثالاً رفيعاً كي نقتدي به، فاستقبلتنا مديرة المؤسسة بإكرام وأجابتنا عن أسئلتنا مشكورة وأعطتنا في البداية نبذة عن تاريخ المؤسسة: أُسّس أول فرع للمؤسسة في عام 2003م في مدينة كربلاء المقدسة من قبل أربع من المغتربات في مدينة لندن، وتمّ افتتاح فرع آخر في محافظة كربلاء المقدسة وفروع أخرى في قضاء المسيب، وفي محافظتي النجف الأشرف وبابل، وتمّ افتتاح آخر فرع في محافظة الكوت. عن طريق حديثنا معكم علمنا بإفتتاح فروع أخرى في عدّة محافظات, ما الحاجّة الملحّة لذلك؟ نقدّم كلّ ما بوسعنا لمساعدة الأيتام وعلى نطاق أوسع ومحاولة في السعي لشمول أكبر عدد منهم، وبسبب ما نعيشه من أوضاع سيئة في الوقت الراهن من اضطهاد وقتل متعمد يوم بعد يوم وأبسط مثال (مجزرة سبايكر) التي استقبلنا بسببها (77) يتيم قد سجل في المؤسسة. مَن المسؤول المباشر على هذه المؤسسة؟ مؤسستنا تابعة لمنظمات المجتمع المدني والأمينة العامة للمؤسسة الدكتورة فردوس العوادي/ نائبة في البرلمان العراقي، والتي تتبرع للمؤسسة كلّ شهر، ولدينا الكثير من الكفلاء الذين لم ينقطعوا بمساعدتهم من داخل العراق وخارجه. ما الآلية التي تتخذونها لكفالة الأيتام في المعهد؟ تتمّ الكفالة براتب يُعطى كلّ شهر إلى مَن هو يتيم الأب فقط ممّن تكون حالته المعيشية بسيطة، وليس لديه راتب آخر مخصص من الدولة، ويستمر هذا الراتب إلى أن يتخرج اليتيم في الجامعة، واليتيم الذي لم يستمر في الدراسة تتوقف كفالته في سنّ الـ (15) سنة، ولدينا لجنة اجتماعية خاصة تقوم بعملية الكشف عن العوائل الفقيرة من الذين ليس لهم راتب مسجل في الدولة وبحسب التقرير المقدّم تتمّ كفالة الأيتام. ما هو عدد الأيتام المسجلين في المؤسسة، وما الكيفية التي يتمّ بها توزيع الرواتب عليهم؟ عدد الأيتام وصل إلى 2750 يتيماً داخل مدينة كربلاء المقدسة، وأقل راتب يُعطى لكلّ يتيم ثلاثون ألف دينار عراقي، وقد يزيد هذا المبلغ بحسب الشخص المُتكفّل، وقد تحتوي العائلة على أكثر من يتيم، ولكلّ يتيم راتب أو قد تتم كفالة عائلة بأكملها. حين دخولنا إلى المؤسسة وجدنا أن جميع الموظفين فيها من النساء، هل هذه هي منهجية تتخذونها في المؤسسة بتعيين المرأة بدلاً من الرجل فيها؟ عمل المرأة بدلاً من الرجل في المؤسسة ضروري لكي يتيح لأمهات الأيتام الحرية في أثناء المراجعة. ما هو عدد الموظفات في المؤسسة، وهل عملهنّ في المؤسسة تطوعي؟ عدد مِلاكنا بشكل تقريبي هو (12) موظفة، والراتب المقدّم لهنّ هو راتب رمزي، فعمل الموظفات هنا هو شبه تطوعي. هل هناك جهات خاصة تمدّ يد العون للمؤسسة غير الذين ذُكروا؟ هنالك تعاون من قبل بعض الشركات الأهلية وبعض الأطباء لمعالجة الأيتام مجاناً، فنعمل على إرسال طلب إليهم من المؤسسة للأم الأرملة وللأيتام لتتمّ معالجتهم، وتتعاون معنا بعض الصيدليات لإعطاء الدواء لهم مجاناً. هل يتم في المؤسسة توزيع الرواتب فقط أو هناك مساعدات أخرى تقدّمونها للأيتام؟ عن طريق جهود الخيّرين من الناس نوزّع كلّ يوم ذبائح أو عقائق أو طعام مآتم على عوائل الأيتام، وفي بداية موسمي الشتاء والصيف توزّع على عائلة اليتيم الملابس والأجهزة الكهربائية من مدافئ وثلاجات ومراوح ومبرّدات وغيرها، وتوزّع كلّ هذه الأجهزة بحسب حاجة العائلة التي تمت كفالتها. هل هناك نشاطات تقدمونها كي يرتقي اليتيم بمستواه الثقافي والاجتماعي؟ في كلّ جمعة من الأسبوع تُعطى دروس فقهية في المؤسسة تحت إشراف أساتذة مختصين، ووالدة اليتيم أيضاً مشمولة بهذه الدروس، وهناك أساتذة تبرّعوا ليعطوا دروساً لكافة المراحل الدراسية وعلى مدار السنة، كذلك نعمل حفلاً سنوياً لتكريم الأيتام المتفوقين في الدراسة، وبحضور عدد من الشخصيات البارزة في المجتمع، ونعمل سفرات دينية بين مدة وأخرى للأيتام وعوائلهم بالاتفاق مع الإخوة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية الذين نبارك جهودهم القيمة، حيث يوفرون لنا وسائل نقل مجاناً. ما هي مشاريعكم أو تطلعاتكم المستقبلية؟ نطمح لإقامة مشروع (القرضة الحسنة)، وهو مشروع قدّم فكرته مجموعة من الأخوات كي نقدّم للأيتام العاطلين عن العمل قرضة ليبتدئوا بها مشروعاً ويسدّدون هذا المبلغ بشكل أقساط كلّ شهر، وهو مشروع يدعم الشباب كي يخدموا أنفسهم ومجتمعهم، وليكفلوا عائلتهم. وقد التقينا ببعض الأمهات المسجّلات في المؤسسة وسألناهنّ عن المؤسسة ومدى مصداقيتها، وقد تحدثنّ عن معاناتهنّ من فقدان المعيل والحالة الاجتماعية الصعبة التي يعيشونها: تحدثت (أم عباس) عن قصتها حيث روتها وآلامها قد فاقت كلماتها المؤلمة، وقالت: زوجي متوفى منذ زمن، وقد ترك لي ولدين صغيرين، وقد تكفّلت المؤسسة بنا، وهما الآن في المدرسة، وأيّ شيء نحتاجه توفره لنا المؤسسة بعد الكشف عن البيت، والحمد لله تعالى توجد مؤسسات كهذه تُساعد الناس المحتاجين بقدر المستطاع. ولم تختلف الجدّة (أم علاء) عن القصة السابقة، فقد زادت آلامها بفقد ابنها الذي فقد شبابه بسبب الوضع الأمني الصعب الذي نعيشه، فهو ضحية من ضحايا الإرهاب التي لم تنتهِ، فقد ترك أولاده الأربعة ليتربوا في أحضان جدّهم وجدّتهم وأحضان أمهم، لكن الأخيرة لم تحتمل الحزن، فهي أيضاً قد فارقت الحياة بعد أيام من موت زوجها، فتركت رضيعها وهو يبلغ من العمر أربعة أشهر، وقد جاءت للمؤسسة كي تطلب المساعدة لأحفادها. هذا هو الواقع المرير الذي تعيشه هذه الفئة البسيطة من الناس، لكن تظلّ أبواب الخيّرين مفتوحة، ولولا فُسَح الأمل التي يبعثها الله تعالى لنا لأصبحت الحياة معدومة من أبسط مستلزماتها، ولو أصبحنا جميعنا مجتمعاً دينياً متكافلاً نعرف ما علينا من حقوق وواجبات لما ظلّ الأيتام يشكون من الفقر والعوز، وأن غالبية الذين تكفّلوا عن طريق المؤسسة بهؤلاء الأيتام لم تنقطع كفالتهم لهم ولعدة سنوات، وهذه من نعم الله تعالى عليهم، فما داموا يتكفّلونهم فإنّ الله (سبحانه وتعالى) سيظل يمدّهم بالخير والرزق الوفير، وسوف يجازيهم عمّا فعلوه من عمل صالح في الآخرة. ............................. (1) مستدرك الوسائل: ج2، ص474.