أَيَا كَفَّ الرَّحِيمِ.. امسَحِي رَأسَ اليَتِيم..

حوراء الأسدي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 197

الأبوة تعني الأصل والانتماء والكفالة والحماية؛ لذا أكّد الإسلام على هذه العُلقة التي تربط الوالد بالولد وبالعكس، إذ إنه تعالى أقسم بها بقوله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ)/ (البلد:3)، فالوشيجة الروحية التي تربط بينهما تنبع من فطرة الإنسان ولا يمكن أن تنفصل عنه، فالأب أصل للولد، والولد فرع منه، وعليه فإنّ مَن يفقد ذلك الأصل يعيش حالة النقص والحاجة سواءً كانت الحاجة مادية أم نفسية، ومن هنا نجد رعاية الإسلام لهذه الشريحة المهمة في المجتمع وتشجيع الناس وندبهم إلى ضرورة الاهتمام باليتيم سواءً في تقديم يد العون والمساعدة إليه أم رعاية شؤونه أم حفظ أمواله حتى يبلغ ويكون قادراً على تحمل المسؤولية وتولي شؤونه بنفسه، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “مَن عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله (عزّ وجل) له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار”.(1) وفي قول آخر عنه (صلى الله عليه وآله): “مَن كفل يتيماً بين المسلمين فأدخله إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة البتة، إلّا أن يعمل ذنباً لا يُغفر”.(2) كذلك فإنّ لرعاية اليتيم من قبيل مسح رأسه أثراً وضعياً في ترقيق قلب الإنسان لمن كان يشكو من قساوته، فعنه (صلى الله عليه وآله) قال: “مَن أنكر منكم قساوة قلبه فليدنِ يتيماً فيلاطفه، وليمسح رأسه، يلين قلبه بإذن الله (عزّ وجل)، فإنّ لليتيم حقاً”(3) وفي قول آخر: “..ومَن أقعد اليتيم على خِوانه ويمسح رأسه يلين قلبه..”.(4) وخير مصداق وأفضل مَن قام برعاية الأيتام وكفالتهم هو أبو الأيتام والمساكين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فكان صلوات الله عليه يردّد هذين البيتين عندما يرى الأيتام تصحبهما الزفرة والأنين واللوعة، يقول(5): ما أن تأوهت من شيء رزيتُ به كما تأوهت للأطفال في الصّغر قد مات والدهم من كان يكفلهم في النائبات وفي الأسفار والحضر فهذان البيتان ينبئان عن مدى تأثره وتألمه لآلام اليتيم واستشعاره لمعاناته، فأكثر ما يؤلمه ويزيده حسرة هو رؤية اليتيم الذي فقد والده ومعيله، كذلك كان من شدة رعايته بالأيتام وحنوّه عليهم أنه كان يطعمهم بيده المباركة الشريفة، فعن حبيب بن أبي ثابت قال: جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) عسل وتين من همدان وحلوان، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها، وهو يقسمها للناس قدحاً قدحاً. فقيل له: يا أمير المؤمنين مالهم يلعقونها؟ فقال: إنّ الإمام أبو اليتامى، وإنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء).(6) وجاء في وصيته (عليه السلام): “الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم”(7)، فإذا كان الإمام يعامل الأيتام بهذه الطريقة الفريدة ويوصي بهم أبناءه، فليت شعري ما حال الأيتام بعدما فقدوا ذلك الأب الرحيم والراعي الكريم؟ بل ما حال الأمة بأسرها بعد أمير المؤمنين(عليه السلام)؟! ففي زيارته الشريفة نجد عبارات تصف الرابطة بينه وبين رعيته وتؤبنه بقول: (رحمك الله يا أبا الحسن.. كنت للمؤمنين أباً رحيماً، إذ صاروا عليك عيالاً، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا)(8) فالإمام(عليه السلام) لم يكن أباً للأيتام فحسب، بل امتدت أبوته لتشمل جميع المؤمنين إلى يوم القيامة، ويؤكد ذلك قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): “أنا وعليّ أبوا هذه الأمة..”(9)، وقوله (صلى الله عليه وآله): “حقّ علي على الأمة كحقّ الوالد على الولد”.(10) بل إنّ حقّه أعظم من حقّ أبينا النسبي؛ لقوله (صلى الله عليه وآله): “ولحقنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم، فإنا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار، ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار”(11) فصلوات الله عليك يا أبانا الرحيم عدد ما في علم الله ورحمة الله وبركاته. ................................. (1) الكافي: ج7، ص51. (2) مستدرك الوسائل: ج2، ص473. (3) وسائل الشيعة: ج3، ص286. (4) مستدرك سفينة البحار: ج10، ص583. (5) بشارة المصطفى: ج10، ص6. (6) بحار الأنوار: ج27، ص248. (7) الكافي: ج7، ص51. (8) الكافي: ج1، ص455. (9) مستدرك سفينة البحار: ج10، ص445. (10) مناقب آل أبي طالب: ج2، ص300. (11) مستدرك سفينة البحار: ج10، ص445.