رياض الزهراء العدد 96 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيَات_33
وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)/ (النور:59، 60). لمّا بيّن سبحانه فيما أمر آنفاً حكم الأطفال في أنه لا جناح عليهم في ترك الاستئذان في غير الأوقات الثلاثة، عقّب (جلّ وعلا) ببيان حالهم بعد البلوغ بقوله: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، أي من أولادكم وأقربائكم الذين أصبحوا في سنّ التكليف وهو (الحلم)، فليستأذنوا في جميع الأوقات إذا أرادوا الدخول عليكم كما استأذن الذين بلغوا الحلم من قبلهم من الرجال والنساء, والمعنى: فليستأذنوا استئذاناً مثل استئذان المذكورين من قبلهم، بأن يستأذنوا في جميع الأوقات, ويرجعوا إن قيل لهم ارجعوا، والخلاصة كما في (الكشاف) وغيره: إنّ الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن إلّا في العورات الثلاث, فإذا اعتادوا ذلك ثم بلغوا بالحلم أو بالسنّ, وجب أن يتركوا ذلك الاعتياد، ويُحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات, كالرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلّا بإذن, والناس عن هذا غافلون، قال أهل العلم في أهمية الاستئذان: إنّ القرآن منهاج للحياة الاجتماعية, ويمنحها العناية؛ لأنه يعالج الحياة كلياً وجزئياً، لينسق بين أجزائها وبين فكرتها الكلية العليا, هذا العلاج وهذه الدقائق يرعاها المنهج القرآني بهذا الأدب الرفيع - أدب الاستئذان – الذي يحقّق الاستقرار والاطمئنان وسعادة الدنيا والآخرة.(1) ثم عاد البيان القرآني لتأكيد أهمية هذه الأوامر الإلهية، وإنه عليم بأحوال عباده في معالجة أمورهم فقال (عزّ وجل): (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). وعلى كلّ حال يُستفاد من الآية السابقة أن الحكم بالنسبة إلى البالغين يختلف عنه بالنسبة إلى الأطفال غير البالغين؛ لأن أولئك يجب عليهم استئذان الوالدين في الأوقات الثلاثة فقط؛ ذلك لأنّ حياتهم قد امتزجت مع حياة والديهم بدرجة يستحيل بها الإسئذان كلّ مرة. ّأمّا الشباب البالغ فهم مكلّفون في جميع الأوقات بالاستئذان حين الدخول على الوالدين، ويخصّ هذا الحكم المكان المخصص لاستراحة الوالدين، أمّا إذا كانا في غرفة عامة يجلس فيها آخرون أيضاً, فلا حاجة للاستئذان منهما بالدخول. أمّا بخصوص الآية: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ..)/ (النور:60). ففي هذه الآية استثناء لحكم الحجاب، حيث استثنت النساء العجائز والمسنّات، ولهذا الاستثناء شرطان: أولهما: وصول هذه العجائز إلى عمر لا يتوقع أن يتزوجنَ فيه. وثانيهما: أن لا يتزيّنَ بزينة بعد رفع حجابهنّ, ويتضح من ذلك أنه لا ضير في رفع الحجاب بعد إجراء هذين الشرطين؛ ولهذا استثناهنّ الإسلام من حكم الحجاب، كما أن من الواضح أنه لا يقصد برفع العجائز للحجاب إباحة خلع الملابس كلّها والتعري, بل خلع الّلباس الفوقاني فقط.(2) وكما عبّرت به بعض الأحاديث بالجلباب والخمار، وجاء في حديث عن الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قرأ: (..أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ..)، قال: “(الخمار والجلباب)”, قلت: بين يدي من كان؟ قال: “بين يدي من كان غير متبرجة بزينة..”.(3) ................................... (1) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص260، 261. (2) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج11، ص105، 106. (3) الكافي: ج5، ص522.