رياض الزهراء العدد 102 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيَات_3
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)/ (الطلاق:4، 5). في الآيات السابقة بيّن الله (سبحانه وتعالى) أحوال النساء اللاتي يحضن في العدة والطلاق، أمّا في هذه الآية فقد ذكر حكم النسوة اللاتي لا حيض لهنّ لأسباب معينة أو الحوامل، وليكمل بحث العدة يقول تعالى في بداية الأمر: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ..) أي إذا شككتم في وجود الحمل فمدة العدة حينئذ ثلاثة أشهر، وكذلك النسوة اللاتي لم يرين الحيض..(1) وقد ذُكرت ثلاثة احتمالات في معنى عبارة (إِنِ ارْتَبْتُمْ): 1- الشك في وجود الحمل بمعنى أنّ هناك احتمال حمل بعد سنّ اليأس وهو خمسون سنة للنساء العاديات، وستون سنة للنساء القرشيات، فمن أجل هذا الاحتمال الضعيف الذي نادراً ما يقع يجب أن تحتاط النساء فتحصي عدتها ثلاثة أشهر.(2) 2- النساء اللاتي لا يُعلم بأنهنّ وصلن إلى سنّ اليأس أم لا. 3- المراد هو الشك في حكم هذه المسألة، فحكمها كما وردت في الآية. ويبدو أن الأقرب هو الاحتمال الأول، فإنّ التعبير باللاتي يئسن يوحي بأنّ هؤلاء النساء قد بلغنَ سنّ اليأس. وفي هذه إشارة إلى أنّ حكم النساء اللاتي غابت عنهنّ العادة الشهرية لمرض أو غيره هو نفس حكم اليائسات، أي يعدّون ثلاثة أشهر. وجملة (..وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ..) يمكن أن تكون إشارة إلى النساء اللاتي وصلن سنّ البلوغ دون أن يُشاهدن الحيض، وفي هذه الحالة أيضاً تكون عدتهن ثلاثة أشهر، واحتملوا أن تكون الآية ناظرة لجميع النساء اللاتي لم يشاهدن الحيض سواء بلغن سنّ اليأس أم لا، غير أنّ المشهور بين فقهائنا أنه لا عدة للنساء اللاتي يُطلّقن قبل بلوغهنّ سنّ البلوغ.(3) عبارة: (.. وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..) عن ابن عباس قال: هي في المطلقات خاصة، وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام)، فإما المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملاً فعدتها أبعد الأجلين، فإذا مضت بها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها انتظرت الوضع.(4) وبهذا اتضح حكم المجاميع الثلاث المجموعة الأولى والثانية: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ .. وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ..) فيجب أن يحصينَ عدّتهنّ ثلاثة أشهر، والمجموعة الثالثة: (.. وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ..) تنتهي عدتهن بوضع الحمل سواء أكان بعد ساعة من الطلاق أم بعد ثمانية أشهر.(5) وحيث إنّ هذه الأحكام توجب كبت الغرائز بالنسبة إلى الرجل والمرأة لفّها السياق بلفائف من التقوى تذكيراً وعظة؛ لئلّا ينزلقا في مهاوي المخالفة فقال (عزّ وجل): (.. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا..) أي يسهل أمرهما حتى لا يقعا في المشاكل.(6) ثم يقول (عزّ وجل): (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) يعني أنّ ما بيّنه في الآيات المتقدّمة من أحكام هو حكم الله (عزّ وجل) أنزله إليكم، وإنّ اتّباع الأوامر من التقوى كاجتناب المحرمات، ولعلّه باعتبار أنّ امتثال الأمر يُلازم اجتناب تركه، وتكفير السيئات سترها بالمغفرة والمراد بها المعاصي الصغيرة، فيُبقي للتقوى كبائر المعاصي، ويكون مجموع قوله: (..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) في معنى قوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)/ (النساء:31). ومن الآيتين يظهر أنّ المراد بالمحارم المعاصي الكبيرة، وهو غير السيئات المكفرة.(7) ..................................... (1) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج18، ص265-266. (2) وسائل الشيعة: ج15، ب4، ح7. (3) جواهر الكلام: ج32، ص232. (4) مجمع البيان: ج10، ص44. (5) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج18، ص266-267. (6) تقريب القرآن للأذهان: ج5، ص443. (7) تفسير الميزان: ج28، ص331.