رياض الزهراء العدد 102 شمس خلف السحاب
الخِلَافَةُ المَهدَوِيَّة
على مرّ الزمان تنتخب أسماء وتحتّل كراسي الإمارة من قبل بعض الناس دون غيرهم، فهنالك في ذلك المعترك يفقد الكثير صوابه أمام أغراء السلطة والرئاسة، فمنهم مَن يزهق الأرواح في سبيل هذه الغاية، ومنهم مَن يبيع كلّ قيمه وأخلاقه لنيل تلك الصفقة الرابحة، ومنهم مَن يقدّم الرشاوي والأموال من أجل احتلاله لكرسي العرش التليد. ومهما تعدّدت الأساليب والأسباب إلّا أنّ تلك العروش سرعان ما تتهاوى وتندثر، بل وتندرس الأسماء وتغيب عن الوجود؛ لأنها حملت فيها أنفاس حبّ الدنيا التي هي رأس كلّ خطيئة، وبينما يتصارع أهل الدنيا ويفنون حياتهم من أجل ذلك السراب تبرز وتلتمع في الوجود أسماء توّجت في خلافة الأرض بمباركة الباري (عزّ وجل)؛ لكي يحتلوا المكان المناسب تماماً، وكما خطّطت له إرادة السماء، مصابيح للدنيا والآخرة، وسفناً للنجاة. فكلٌّ قد عُفي أثره الوجود إلّا سيرة الأبرار من الرسول (صلى الله عليه وآله)، فلقد احتلوا مواقعهم على أتم وأحسن ما يكون؛ لأنهم أهلاً للتتويج وخلافة الأرض لما جسدوه من تطبيق أمثل للدين بكلّ تعاليمه ومبادئه النبيلة السامية. فكان حقاً لكلّ موالي أن يعيش ساعة تتويج أهل بيت المصطفى (صلى الله عليه وآله) صالحاً بعد صالح، وصادقاً بعد صادق بكثير من الفرح والسرور والأمل؛ لأنهم السبيل إلى الله وبابه الذي منه يؤتى، وكان يوم تتويج خاتم الأئمة الأطهار المهدي المنتظر يوم بشر وسعد للأمّة جمعاء؛ لأنّ فيه الخلاص والفرج من عهود الظلم والجور. فبعد شهادة الإمام العسكريّ (عليه السلام) في 8 ربيع الأوّل 260ﻫ، تُوّج ابنه الإمام المهدي بتاج الخلافة والإمامة للمسلمين في 9ربيع الأوّل260ﻫ؛ لذا تفرح الشيعة في مثل هذا اليوم، وتقيم الاحتفالات لهذا التتويج؛ وذلك لأنّه أوّل يوم من إمامة منجي البشرية وخلافته، وآخر الحجج لله على أرضه. جاء في بحار الأنوار رواية مفادها: دخلوا على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في التاسع من شهر ربيع الأول، وكان قد أوعز إلى كلّ واحد من خدمه أن يلبس ما يمكنه من الثياب الجدد..، قالوا له بآبائنا أنت وأمهاتنا يا بن رسول الله! هل تجدّد لأهل البيت (عليهم السلام) في هذا اليوم فرح؟! فقال: وأيّ يوم أعظم حرمة عند أهل البيت (عليهم السلام) من هذا اليوم؟! ولقد حدثني أبي (عليه السلام)، إنّ حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم وهو التاسع من ربيع الأول على جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال حذيفة: رأيت سيّدي أمير المؤمنين مع ولديه (عليهم السلام) يأكلون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يبتسم في وجوههم (عليهم السلام)، ويقول لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام): كُلا هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم، فإنه اليوم الذي يُهلك الله فيه عدوه وعدو جدّكما، ويستجيب فيه دعاء أُمكما، كُلا! فإنه اليوم الذي يقبل اللّه فيه أعمال شيعتكما ومحبيكما، كُلا! فإنه اليوم الذي يصدق فيه قول الله (عزّ وجل):(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا..)(1).(2) فنحن نفرح بذلك اليوم، ويكون لنا عيداً لتيقّننا بأنه الإمام الحيّ والقائد الفعليّ والمتكفل للمسؤولية لنا أمام الله في هذه العصور من حين وفاة أبيه إلى عصر الظهور؛ ولذا يُسمّى بالقائم أي أنّه يقوم بأمر الإمامة فعلاً، أي القيّم والمتولي والمباشر للمسؤولية حقيقة وتفصيلاً. وكان أوّل مَهامه بعد تسلّمه الإمامة الصلاة على أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) في داره، وقبل إخراج جسده الطاهر إلى الصلاة الرسمية التي خطّطت لها السلطة الجائرة آنذاك، وكان ذلك أمراً مهمّاً في إثبات إمامته المباركة، حيث لا يُصلّي على الإمام المعصوم إلّا الإمام المعصوم. هكذا تعمر الدنيا بالصالحين والأبرار، وهكذا يعمّ الوجود العدل والأمان في ظل منظومة الظهور الإلهية المرجوة، وهكذا تخلّد الأسماء الحقيقية في سجل العزة والمهابة الأبديّة، عجّل الله تعالى لنا ظهوره الميمون، وأثلج قلوبنا بطلعته البهيّة المشرقة بإذنه وقدرته. .............................. (1) (النمل: 52) (2) بحار الأنوار: ج31، ص122.