رياض الزهراء العدد 102 همسات روحية
الحَرَمُ الِإلَهِيّ الأَكمَل
توضّأ من طهر الكوثر وتعطَّر، وأخطُ نحو المسجد الأعظم، هناك تأمل نسيجاً حاكته خيوط الشمس فوق بساطٍ أطهر، لعلّك تنال من راية الأحمد شذىً به تُخلَّدُ. لكن أنصتِ السمع وتأمّل، فالمدر ما يزال شاهداً، وأد البنات والأنين طالع، وصليل الحسام المخضب بالثأر المحرم، وحكايات سوق النّخاسة، وعبيد الحجر والصنم الأخرس، ثم اسجد بين الركن والمقام شكراً لمن (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُم..)/ (الجمعة:2), واتركْ بعدها نسائم الرحمةِ تطوف بكَ شوط الكمال الإلهي, سعياً بين شعلة الطّهر ووليدها الأمجد. هنالك ستجد اللحن الأسمى (آمنة) ترعاها عين الرحمن، وتداريها يد العذراء مريم, ومواكب الملائكة تحجّ الركن الأعظم (الله أكبر.. الله أكبر..) ولِدَ مَنْ لأجله السماء رُفعتْ والبطحاء بُسطتْ، ولِدَ منْ لأجله خرّتْ اللات والعزى، وُلِدَ منْ لأجله أُخمدتْ نيران معابد الوثن وانهدم إيوان كسرى، وُلِدَ منْ بشّر به الإنجيل والتوراة الأقدم، فنادى الإله الأوحد من عرشه الأرفع: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ..)/ (الأحزاب:40). الاسم الأقدس في حضرة الإنسانية (محمّد), هنا أَعلِن الخضوع الأسمى, وسَل الأسوة المثلى عن الرقيّ، وخذ غمامةً واسرح بين أفلاك سيّرت لعظمة الأحمد، واعلمْ أنّ المبعوث سيّد الكائنات الأكمل, والولادة الميمونة إيذان من الأوحد بوصول ابن آدم إلى رقيٍّ يؤهله التقلّد برسالة الخاتم, وإلا لكان حقّاً لك أن تناشد عدم التناسب مع المرسل. وإذ ما وصلت الحرم تكلّل بأغصان الزيتون وانشر عبق الرياحين أرضاً, واذكر أنّ الربيع ما كان لولا هذا النور الأبهى، بعدها أرفع الأذان فوق الحائط الأعلى: (أشهد أنَّ محمداً رسول الله), وأبصر عمود النور الأزهر, يعانق فسيح السماء الأوسع, وجبريل يحفّ بجناحه حضرة النبيّ الأعظم، هناك احذر ثعابين السقيفة, فلا تذر لهم سوى عود ثقاب تشعله أحقاد الأحمق, والختم ممهور بين العيون فلا تخشَ خلط الأخبث بالأطهر. عندها أجهر القول: (وأشهد أنَّ علياً بالحقّ ولي الله)، لتشهد بعدها دخولكَ من الباب الأوسع للحرم الإلهي الأكمل، وتتوّج بالمنهج الأسلم لخليفة الرحمان أيها الإنسان الأعقل، فهنيئاً لكَ الفردوس الأجمل.