رياض الزهراء العدد 102 أين صراطي المستقيم؟
حِلْمٌ مَذبُوح
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في خطبته قال: «مَن عمل في تزويج بين مؤمنين حتّى يجمع بينهما، زوّجه الله (عزّ وجل) ألف امرأة من الحور العين».(1) وعن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «أربعة ينظر الله (عزّ وجل) إليهم يوم القيامة: مَن أقال نادماً، أو أغاث لهفاناً، أو أعتق نسمة، أو زوّج عزباً».(2) وقال الإمام الكاظم (عليه السلام): «ثلاثة يستظلون بظلّ عرش الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سراً».(3) وها نحن من هذه الأحاديث العطرة ننطلق إلى مجتمعاتنا التي بتنا ويا للأسف في بعض الأحيان نرى فيها المنكر معروفاً والمعروف منكراً. التزويج للعزّاب أمر بات الكثير يقدر عليه، ولو سألتم كيف؟ ولِمَ لا نرى لذلك العمل أثراً في المجتمع؟ أجبنا: كم تُكلّف حفلة الزواج المتعارف عليها وفي ضمن إطار المعقول؟ تأتي الإجابة بأقصى الحدود تكلّف (1-2) مليون بين طعام يوزّع للجيران، وبين تفاصيل عرس بسيطة في المنزل، وتسريحة وبدلات هادئة. لكن كم تكلّف زيجات هذا الوقت؟ (50) إلى (70) مليوناً! رقم مهول جداً! ولو سألنا لماذا؟ لجاء الجواب مثيراً للتعجب أكثر: لأنّ بيت فلان عمل حفلة بكذا مليون، ونحن لسنا بأقل مستوى منه! ولأني أريد أن أفرح بابنتي أو ابني فيجب أن أعمل كلّ ما يسعدهم من بذخ وإسراف حتى لو خالف الدين والأعراف! ولأنها ليلة واحدة بالعمر! ولأنّ الناس ستلومني وتتحدّث بالبخل عنّي إن أنا قصّرت بتكاليف الزواج! و.. و.. مئات التبريرات الباردة التي لا تمتّ لا للشرع ولا للإسلام ولا للسيرة النبوية الكريمة بصِلة حينما زوّج رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذلفاء وهي شريفة قومها لجويبر بمهر بسيط جداً. والآن ارجع للرقم المهول وهو (50) مليوناً، فلو أنّ تكلفة الزواج العادي مليونان، فكم زواجاً سنكفل بـ (50) مليوناً؟ وكم زواجاً كنّا نستطيع أن نعمله ونفرّح به كم شاباً أعزب مع فرح قلب ابننا أو بنتنا؟ والأمر الآخر والأكثر هولاً أننا أصلاً بعملنا هذا أخرنا زواج الكثير من الشباب، ولو سأل سائل لماذا؟ وما دخلي بهم؟ أجبنا: لأنّ الشاب عندما يسمع بهكذا زيجات وتكاليف سيشعر بالذل والهوان؛ لأنه كرجل لا يستطيع تأمين مثلها لنفسه، هذا إضافة إلى شعوره بالعجز عن الزواج على الرغم من حاجته الماسّة إليه. هذا إذا ما أدّى هذا الرقم إلى عزوفه عن الزواج أصلاً؛ لأنه يجد بمدخوله البسيط بعد (10) أو (20) سنة سيمكنه من الزواج وهو يحتاجه الآن. وإذا ما أفسد أصدقاء السوء فكره بقولهم: (لا داعي بتكلفة نفسك بمصاريف الزواج، فعش حرّ نفسك أفضل)، وقد يقوده الأمر للانحراف واللجوء إلى ما لا يُرضي الله (عزّ وجل). أين تطبيق قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)/ (النور:32). فهل التفتنا وبعد كلّ هذه الكلمات وغيرها كثير إلى أننا سننّا سُنة سوء، وحرمنا أنفسنا من أملها الوحيد، وذبحنا حلمها الأكبر بالدخول لحصن الزواج وتحقيق هدف الأبوّة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن سنّ سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».(4) ................................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج4، ص339. (2) مستدرك سفينة البحار: ج7، ص199. (3) مستدرك سفينة البحار: ج7، ص10. (4) بحار الأنوار: ج33، ص152.