رياض الزهراء العدد 102 فتوى الجهاد
الفَتوَى وَتأثِيرُها
تعدّ فتوى الجهاد التي أصدرتها المرجعية الرشيدة من الفتاوى التاريخية التي استحوذت على اهتمام عالمي منقطع النظير؛ كونها غيرت استراتيجية خطط الدول الغربية الكبرى، وأفشلت مخططاتها في تمزيق وحدة العراق لأسباب باتت معروفة للجميع. وبسبب حجم الخطر الكبير الذي كان وما يزال يهدّد العراق فالجميع مهدّدون بالقتل والتهجير والاحتلال والتدمير، وقد انطلقت الفتوى لتضع حدّاً لهذا الخطر، وفي توقيت مدروس وبقراءة للوقائع الميدانية على الأرض. إنّ هذه الفتوى أصبحت محلّ اهتمام لدى أهم مراكز الدراسات الأوروبية والأميركية؛ لأهمية نتائجها وسرعة فاعليتها في صدّ هجمات داعش المدعومة من عواصم عربية وغربية. الفتوى التي أقرت الجهاد الكفائي لم تكن موجّهة للمسلمين الشيعة فقط، بدليل التزام شرائح عراقية واسعة من غير المسلمين الشيعة بمضامينها والانخراط في القوات المسلحة وفي تشكيلات الحشد الشعبي. إنّ فتوى المرجعية بشكلها ومضمونها تنطوي على أبعاد وطنية، وليست محصورة بالدفاع عن المدن المقدّسة كالنجف الأشرف وكربلاء المقدّسة والكاظمية المقدّسة في بغداد وسامراء المقدّسة وباقي المناطق الشيعية في العراق، فقد أثبتت الفتوى الحنكة السياسية للمرجعية الرشيدة وقراءاتها الدقيقة للأحداث واستشرافها للمستقبل لما تملكه من بُعد نظر، ولا يخفى على كلّ ذي لبّ صدمة العالم الغربي بالقوة الكامنة للمرجعية ومدى نفوذها وتأثيرها في الوضع الدولي بشكل عام والوضع الداخلي المتذبذب للبلد بشكل خاص، إذ استطاعت وأد الفتنة، وأن تحقّق أبعادها الوطنية العابرة لحدود الطوائف والمذاهب، وقوضت المساعي الإقليمية الرامية لدعم صنيعتها من الشخصيات السياسية والدينية المتطرفة والجماعات المنحرفة وتقويمها، وهذا على ما يبدو أزعج بعضاً ممّن يسلك الطريق الديني والسياسي في المنطقة، لذلك سلّطوا الأبواق الإعلامية والسياسية على هذه الفتوى التي نجحت بأن يستعيد العراقيون المبادرة. ولاستكمال الغاية المنشودة وتحقيق الأهداف المرجوة من الفتوى، فقد أكد سماحة المرجع آية الله العظمى السّيّد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الوارف) على الكثير من الأمور منها: 1- تأكيده على وحدة العراق وتحمل المسؤولية الوطنية والشرعية في هذه الظروف الصعبة، وأنّ العراقيين أكبر من هذه التحديات والمخاطر لما عُرف عنهم من الشجاعة والإقدام، ثم يحدّد سماحته ((المسؤولية في الوقت الحاضر هي حفظ بلدنا العراق ومقدّساته من هذه المخاطر، وتوفير المزيد من العطاء والتضحيات في سبيل الحفاظ على وحدة بلدنا وكرامته، وصيانة مقدساته)). 2- تأكيد سماحته على أهمية التحلّي بالصبر والشجاعة والثبات في مثل هذه الظروف، ويحذّر من أن يدبّ اليأس والإحباط في نفس أيّ عراقي، بل لابدّ من أن يكون حافزٌ لنا للعطاء في سبيل حفظ ديننا ومقدّساتنا 3- يخاطب سماحته القيادات السياسية ويضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية والشرعية الكبيرة، ويطلب من السياسيين العراقيين أن يتركوا الاختلاف والتناحر خلال هذه المدة العصيبة. 4- يخاطب العسكريين العراقيين ويُضفي على عملهم وأدائهم وتنفيذهم لواجباتهم صفة القدسية، وهي أعلى مرتبة في العمل الشرعي، وذلك بقوله: ((إنّ دفاع أبنائنا في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية هو دفاع مقدّس)). 5- أصدر مكتب سماحته التوصيات والتوجيهات الخاصة للمقاتلين في ساحات الجهاد، وهي لم تخرج عن نطاق توصيات النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) في غزواتهما والمعارك التي خاضاها (عليهما السلام) ممّا أضفى هالة من القداسة لهذه الحرب المصيرية، والتي أعطت رؤية جديدة لوصايا الدين الإسلامي وتعاليمه.