سَعَادَتُهُم_ أباء يخالفون طبيعتهم اتجاه أولادهم

رنا الخويلدي
عدد المشاهدات : 181

كانت السماوات السبع كلّها على ظهره، وشياطين الإنس تحاول استراق السمع لتنفذ في أقطارها، كانت الأرض مشرئبّة لذاك الذي هو في صلبه، وكان يسلّيها كي لا تحدث أخبارها، قد حاربوه حكّام زمانه؛ لأنه إمامٌ ويحمل في صلبه سلطان الزمان، وحاصروه بنفوس ميتة من الشعور؛ لأنه حي وتترعرع يوماً بعد يوم بين يديه الحياة، وما زالوا يتوالون عليه بالأذى والمظالم حتى قتلوه مسموماً في ريعان شبابه، ذلك هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي ضرب أروع الأمثلة بالأبوة الناجحة المضحية، وذلك بحمايته لولده الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الذي كانت تتربص به الأعداء، إلّا أنّ كثيراً من الآباء بعيدون عن هذا المعنى كثيراً، وسنشرح ذلك بعدة صور: الصورة الأولى هنالك بعض الآباء لا يعدّ الزواج والأولاد مسؤوليةً يجب أن يعدّ لها العدة النفسية والثقافية عن طريق تعلّم دروس الأخلاق والتربية بنية أن ينشئ أولاداً يتركون أثراً إيجابياً في المجتمع، بل يعدّون الزواج والأولاد مرحلة حياتية لابدّ لهم من المرور بها بكلِّ حالٍ من الأحوال، لذلك نجد أنَّ نسب الطلاق في مجتمعنا صارت أكثر من نسب الزواج، ونجد أغلب الأطفال تربيتهم ليست جيدة، إمّا نتيجة شجار والديهما أو انفصالهما، أو نتيجة الإهمال التربوي من قبل الوالدين بأن يتركاهم لأفلام الكارتون والألعاب الالكترونية التي أغلبها تبني شخصية الأطفال على الشجار والانحراف، أو بسبب حدة الوالدين معهم وضربهم بقسوة وكثرة، وعلى هذا المنحى لو كان قد بقي هذان الوالدان بلا ذرية لكان أفضل لهما من أن ينجبا أولاداً هما يتسببان بأذيتهم ديناً ودنيا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كلّ مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه».(1) الصورة الثانية كما هو معروف أنَّ حب الآباء للأبناء حب غريزي وليس مكتسباً، إلّا أنَّ هنالك كثيراً من الآباء يخالفون هذه الطبيعة التي خلقهم الله تعالى عليها، فنجدهم يفعلون شيئاً لا يفعله العدو الخلوق بعدوه، إذ إنهم يهجرون أطفالهم مع أمهم إذا كانت على قيد الحياة، بل يهجرونهم حتى من دون أمهم إذا كانت هي ميتة، وبكلتا الحالتين هم لا يسألون على أطفالهم، جاعوا أم شبعوا؟ عروا أم لبسوا؟ أحياء أم ماتوا؟ كلّ ذلك وغيره لا يسألون عنه حتى وجدنا بعض هؤلاء الأطفال يبقون بلا غداء أو ينامون بلا عشاء، ومنهم مَن لم يجد غموساً مع خبزته إلا الدهن والبصل، في وقتٍ آباؤهم يتنعمون بالعيش إمّا مع زوجة أخرى أو في سفر، ما جعل بعض هؤلاء الأولاد في كبرهم يحملون الغلّ على آبائهم، ويتحدثون عنهم بالطعن والسبّ، فيكون الأولاد بذلك قد خسروا دينهم ودنياهم، قال الإمام الباقر (عليه السلام): «..شرّ الأبناء مَن دعاه التقصير إلى العقوق».(2) وفي الوقت نفسه تكون اللعنة على هؤلاء الآباء الذين أعانوا أولادهم على عقوقهم، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في أحد وصاياه: «لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما»(3)، إذن فالحقوق متبادلة، وعلى الآباء مسؤولية أن يحموا أولادهم من نار الدنيا ونار الآخرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)/ (التحريم:6). بمعنى أن هؤلاء الآباء بمثل ما جعلوا أبناءهم ناراً في المجتمع بسبب سوء التربية، سيصليهم الله تعالى ناراً جزاء ذلك، وكما أغلظت قلوبهم على أبنائهم وأصبحوا معهم شديدي القسوة بالتصرفات، فإنّ الله تعالى سيسلّط عليهم ملائكة غلاظاً شداداً تنبِّئهم كيف تكون لوعة الغلظة والشدة، فعليهم أن يتنبهوا لذلك كما جاء في قوله تعالى: (..ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)/ (هود:114). ............................. (1) الكافي: ج6، ص18. (2) تاريخ اليعقوبي: ج2، ص320. (3) مستدرك سفينة البحار: ج، ص309.