رياض الزهراء العدد 102 لحياة أفضل
فِي سَلَامَةٍ مِن دِينِي
حلّت على عراقنا سحابات الغدر والمؤامرات، وبوادر الأمل تغادر الوطن فصارت العقول تهوى الهجرة والنزوح عن تراب المقدّسات إلى تراب الكفر واللعنات. منتظر شاب مُتأثر بأحاديث زملائه في العمل، فهو يأمل الهجرة من وطنه إلى وطن الآخرين؛ طلباً للراحة، وزوجته حنين تتوالى عليها ساعات الحَيْرَة، ولا تعلم كيف تُقنع زوجها بالمكوث قرب الأهل والوطن. أذّن المؤذن فهبّت للتهيّؤ لصلاتها، وبعد الوضوء رفعت يديها باتجاه القبلة: إلهي - وبحشرجة الصدر وبأنة الروح الوالهة - بحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) أبي التضحيات، أسألك بحقّ أبي الشهداء (عليه السلام) أن تجعل لي فرجاً ومخرجاً. وبعد الصلاة بدأت المحاضرة الدينية وما خاب ظنّها، فلقد تكلّم السيّد المحاضر عن موضوع (حرمة أرض كربلاء)، وذكر حديثاً شريفاً عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) حيث قال: «اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام..»(1)، وتطرّق للمهاجرين، وكيف يُوثق بمَن يقول إنه يحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يترك أرضه في أحرج الأوقات؟ وتابع قائلاً: هل يستطيع الشباب الثبات على دينهم أو لم يفكروا أصلاً في ذلك؟ وصاح السّيّد بصوتٍ عالٍ: هل يعلمون أنّ من أهم المحرّمات الإسلامية التعرّب بعد الهجرة؟ والمقصود به هو الانتقال إلى بلد ينتقص فيه الدين، أيّ يضعف فيه إيمان المسلم بالعقائد الحقّة أو لا يستطيع أن يؤدي فيه ما وجب عليه في الشريعة الإسلاميّة أو يجتنب ما حرّم عليه فيها. ولمّا انتهت المحاضرة بادرتُ زوجي العزيز أنّ في قلبي شيئاً أُحبّ أن أحدّثك به، قال تفضّلي يا عزيزتي: فقالت حنين: هل للإنسان الخلود في هذه الدنيا؟ أجاب منتظر: لا، فقالت حنين: إذن بعد الدنيا آخرة وحساب كما قال تعالى: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)/ (القيامة:14، 15)، أنا أعلم بحالي، هنا أستطيع أن أغضّ بصري وأرتدي عباءتي ولا أرى أناساً يعملون المنكر في الشوارع، وعندما يضيق قلبي التجئ إلى أئمتي وأهل أرحامي وأبر والديّ، فهذه أبواب الجنة مُشرعة أمامي، وكلّما انخفض شحن إيماني أذهب لحضور المجالس الحسينيّة فيزداد، فأنا شرقيّة وعربيّة تملأ عينيّ شمس العراق ومحبّة مَن حولي فلا ينقصني شيء وأستمع الأذان هنا في شهر رمضان ونجتمع على موائد الإفطار، وشهرا محرم وصفر يملآن قلبي بحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) وتعلّقي بقدوتي السّيّدة زينب (عليها السلام)، أنا لا أريد الذهاب إلى الغرب. حدّق منتظر في عينيها وقال: أفحمتني، لقد نبّهني السّيّد إلى مسألة التعرّب بعد الهجرة، وألهبت قلبي حينما ذكرتني بعاشوراء الحسين (عليه السلام)، لا بأس عزيزتي أشكرك، ولو كنت قد ذهبت إلى هناك لما سلم ديني، فرحت حنين كثيراً وقبّلت رأسه ويديه، وقالت: الحمد لله نحن هنا وأولادنا في سلامة من ديننا. ..................................... مستدرك الوسائل: ج10، ص236.