دَرْبُ النَّجَاحِ لَهُ عُنفُوَانُه

وفاء عمر عاشور
عدد المشاهدات : 148

تمضي سنوات الدراسة للطالبات لتُختم بسنة التخرّج، فتحصل إحداهنّ على شهادة جامعيّة تكون لها المُنى الذي حلمت به وصبت إليه منذ بَدء مسار دراستها، وتسمع كلمات التهاني والاعتزاز من الأهل والأقارب لتخرّجها كأنّ رسالتها في عالم العلم والتعلّم قد انتهت، وتعلّق شهادتها على أحد الجدران، وتكتفي بما نالته من فرص التعليم كأنّه نهاية المطاف لها, وهذه الشريحة من النساء هي الأكثر شيوعاً في مجتمعنا بينما هناك نساء لا ينفكنّ عن حبّ التعلّم فيستمطرن غيث العلم كما تستمطره الأرض القاحلة الجذبة ليرتوين منه فيغور في أعماق عقولهنّ وتستوعبه قلوبهنّ وينشرنَ أريجه في أرجاء المعمورة كأنهنّ خلقنَ شمعات سعادة للآخرين يُضئنَ مسارات نور العلم في أطياف مجتمعهنّ, وهذا ما لمسناه في شخصيّة الأخت سارة حسن محمّد علي الحفّار/ مديرة معهد الكفيل لذوي الاحتياجات الخاصّة، والتي تتميّز بطموحها البنّاء في خدمة المجتمع عن طريق عملها الإداري والإنساني في المعهد، ونشاطها الهادف والفعّال في مجال التنميّة البشريّة، وهي مدرّبة للإسعافات الأوليّة، وحرصت على الجمع بين شهادتين جامعيتين (بكالوريوس في القانون واللغة الانكليزية) لتكون أكثر عطاءً وكفاءةً في عملها، وتشرّفنا باللقاء بها باعتبارها نموذجاً مشرفاً للمرأة الكربلائية المسلمة الملتزمة الناجحة. التذمّر والشكوى من الدراسة لدى الطلّاب عموماً قلّل من عزيمتهم في تحقيق ما يصبون إليه، ما هي القوة التي شحذت همّة سارة الحفّار في تحصيلها الدراسي وجمعت بين شهادتين جامعيتين؟ رغبة والدي في أن أكون قانونية دفعتني لكَي أدرس القانون في العاصمة بغداد، ودراستي للقانون كوّنت لدي رصيداً رصيناً في العمل الإداري، أمّا اللغة الانكليزية فكانت رغبتي الخاصّة، وحرصتُ على تحقيقها وجمعت بين عملي في المعهد وبين الدراسة، وكانت مرحلة شاقّة ومتعبة، وبتعاون الأهل وإصراري على تحقيق هدفي تمكّنتُ من النجاح، واللغة الانكليزية لغة العصر، وهي مفيدة جداً في عملي. التنميّة البشريّة من المجالات الجديدة التي عُرفت في محافظة كربلاء، وكنتِ من النساء السبّاقات في هذا المضمار، كيف اقتحمتِ هذا المجال؟ التنمية البشرية جذبتني لِما فيها من فائدة جمّة للمجتمع، إذ تركز على تحقيق رسالة تصبّو إلى القمّة والعلا في إصلاح البشر والاستفادة القصوى من الطاقة الكامنة لدى الأشخاص, وكانت لمحاضرات الدكتور ماهر في التنميّة البشريّة الأثر الكبير في نفسي، وعملي مع قسم التخطيط والتنمية البشرية في العتبة العباسيّة المقدّسة التي تعتني بهذا المجال قد جعلني اندفع بكلّ طاقتي ليكون لي دور فعّال, ونجاحي كان وراءه الدعم المستمر من قِبل الدكتور فؤاد القزويني/ رئيس قسم التخطيط والتنميّة البشريّة، الذي زاد مِن ثقتي بقدراتي، وحثّني على أن أكون مدرّبة دوليّة. مواضيع التنميّة البشريّة متعدّدة وتقدّم لفئات مختلفة، ما هي المواضيع التي قدّمتِها وما هي الجهات المستهدفة؟ لقد تناولت عدّة مواضيع، ونحن نسمّيها في التنميّة بـ (الحقائب)، ومنها: أنماط التعلّم، والثقة بالنفس، والخوف من الفشل، والحزن، والنجاح، والسيطرة على الغضب، وغيرها من الحقائب، وكانت بمعدّل ساعتين في اليوم، وبعضها ألقيتُها على الملاك التدريسي لمدارس العميد، ومدارس الوارث، وكذلك على طلّاب المرحلة المتوسطة، والإعدادية، وطلّاب الجامعات، وذلك في العطلة الصيفيّة في المخيّمات الكشفية التي تقيمها العتبات المقدّسة عن طريق قسم العلاقات، وكانت على قاعة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). العلم بحر زاخر كلّما اغترفنا منه استقينا عمقه، ولا قرار لنهاية مطافه، وطلّاب العلم متمايزون، منهم مَن يتعلّم لضمّ العلم بين أضلاعه كأنّه كنزٌ مدفون لا ينتفع منه الآخرون، ومنهم مَن يجعله ومضة وهّاجة في طريق المتعلّمين يقتبسون منه ليضيئوا دربهم بالعلوم، فتلك هي سنّة الحياة يتمايز فيها الأشخاص بين الأخذ والعطاء، وبجهود الطليعة المثقّفة المعطاءة من المجتمع، والتي تؤسّس على هندسة الأفكار من خلال بثّ عوامل التشويق لدى المتلقّين تتقدّم المجتمعات نحو الازدهار.