رياض الزهراء العدد 102 وأشرق نوره
الخُلقُ العَظِيم
وُلد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) في عهد ملك الفرس (كسرى آنو شروان) في السنة التي عزم فيها أصحاب الفيل على هدم الكعبة فأهلكهم الله (عزّ وجل) جميعاً وجعلهم كعصف مأكول، فصاحبت ولادته الكريمة معجزات كثيرة منها أنه خمدت نار المجوس في بلاد فارس، ووقعت الأصنام عن ظهر الكعبة فتكسّرت، وانشقّ إيوان كسرى فسقطت منه أربع عشرة شرفة، كما امتلأت السماء شُهباً، ومُنعت الجنّ من استراق السمع من السماء، وقد شاء الله سبحانه أن يموت والده وهو في بطن أمه، فنشأ يتيماً وكانت عادة أشراف أهل مكة إرسال أولادهم إلى البادية لإرضاعهم؛ لينشأ صحيح البدن لما تعطيه الطبيعة من مناعة للجسم، وفصاحة للسان، وصفاء للفكر وذلك؛ لبساطة حياة البادية، وحين جاءت حليمة السعدية إلى مكة تلتمس طفلاً تسترضعه عرض عليها جدّه عبد المطلب والسيّدة آمنة استرضاعه، وعادت به إلى قبيلتها (بني سعد)، فتدفق الخير الكثير عليهم.(1) وقد رأت حليمة الآيات والمعاجز منه ممّا أبهرها، فقدّمته على أولادها بالرعاية والعطف، وبعدما بقي عندها أشهراً جاءت به إلى أمه في مكة لتنعم برؤياه، إلّا أنه ضاع منها في جبال مكة، ففزعت وأقبلت نحو جدّه مسرعة مذهولة لإخباره، فمضى جدّه إلى الكعبة يدعو الله تعالى أن يردّه إليه، فوجده ورقة بن نوفل ورجل من قريش، وأتيا به إلى جدّه، وقالا له: هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة، فابتهج وحمله على عاتقه، وطاف به بالكعبة يعوّذه ويدعو له، ثم حمله إلى أمه، وألمح الذكر الحكيم إلى نعمة الله تعالى عليه حينما ضاع (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)(2), وبعدما نعمت أمه برؤياه ومكث عندها أياماً رجع مع مرضعته إلى موطنها؛ لخوفها عليه من وباء منتشر في مكة.(3) وبعد بلوغه خمس سنوات عاد إلى كنف أمّه وجوار جدّه وأعمامه، وفي سنّ السادسة توفيت أمّه فكفله جدّه سنتين، وفي الثامنة من عمره توفي جدّه بعد أن اختار أبا طالب لكفالته، فآوى وحمى الرسول، وكان خير كفيل له في صغره وخير ناصر له في دعوته. ................................ (1) احيوا أمرنا؛ دليل برامج وأنشطة المناسبات الإسلامية، كشافة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ط1، بيروت، 2010، ص98. (2) (الضحى:7) (3) القرشي، باقر شريف: حياة المحرّر الأعظم الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، ط8، ج1، دار المعروف – مؤسسة الإمام الحسن (عليه السلام)، النجف الأشرف، 2013، ص70-72.