تَطوِيرُ الذَّاتِ بِنَفَحَاتٍ مُحمَّدِيَّة

فاطمة النجار
عدد المشاهدات : 280

تطوير الذات والشخصية ليس بكلام يقال ولا بحروف تسطّر، إنما هي بحر عميق يغوص فيها من استقصى الكمال وتمنّى التمام. رحلة كمال النفس في دروب الدنيا طويلة وتفرعاتها كثيرة، فمَن عرف نفسه حقّ المعرفة عرف السبيل للكمال والعلو، ومن جهل باطنه وجوهرها ظلّ يفتش عن الرقي في الفراغ. أولى خطوات الشروع بمسيرة النجاح هو التوكل على الله (عزّ وجل) وتعليق النجاح وربطه بجلاله، إذ الإنسان بطبيعته ضعيف الجوهر وفارغ المشاعر، ولا تتقوى أو تملأ تلك الفراغات إلّا بالعشق والتعلق الإلهي، فالله يرفع في الدنيا شأن مَن ضعف أمامه واستعبد لجلاله وعشق حضرته، فبعد هذه التعلّق والتعشق بالله (عزّ وجل) تتيسر وتتصلح باقي العلاقات الدنيوية. العبادة وذكر الله هي حاجة تملأ دواخلنا كما الحاجة إلى المأكل والمشرب، فالإنسان ممتلئ بمشاعر وعواطف تحتاج أن يوظفها في مسارها الصحيح، فالتهليل والتسبيح والصلوات هي أدوات لتمشية هذه العواطف والمشاعر المخزولة في أعماق الروح في مسارها الصحيح. هل يوجد عشق أجمل من العشق الذي يتكون بين العبد ومولاه؟ هذه الصفقة الربانية تخلو من الخسران، ورأس مالها حبّ آل المصطفى (صلى الله عليه وآله) الأبرار، والأرباح فيها الفوز برضا الرحمن بعد ملء الروح وتغذيتها بالحبّ الإلهي والتماس الراحة الروحية والنفسية. ما أجمل أن يكون الإنسان خبير نفسه ومعالج روحه فيعاهد نفسه بالنظر لهذه الحياة بالعين الملونة التي ملؤها الأمل والتفاؤل، فيجعل في كلّ أزمة فرجاً ومن كلّ شدة مخرجاً بذات النظرة التفاؤلية، فلو أردنا العودة في كلامنا إلى الوراء نرى أنّ إنجاح هذه الطريقة لا يتم إلّا في التوكل على الله تعالى والتوسل به وطلب تفريج الكرب والصبر عليها منه جلّ علاه. وبعد أن صرنا نرى الدنيا سهلة يسيرة جميلة ملونة، ننتقل بروحيتنا إلى الخطوة الآتية التي هي إبعاد كلّ مَن يعكر علينا صفو حياتنا ويحرمنا الشعور بالأمل والتفاؤل، ويبعدنا ولو مقدار شعرة عن طريق الله (عزّ وجل) وطريق أهل بيته (عليهم السلام) فكم من صديق حرم رفيقه من الرحمة الإلهية بطرق كثيرة، إمّا بإلقائه في الدروب المحرمة بجعله رفيق الشيطان أو عن طريق توظيف نفسه كمسترق لطموحه وأمانيه، فشدة تعثّر رفيق السوء في تحقيق أمانيه وآماله جعلته لا يتحمل رؤية صديقه يظفر في حياته، فالصديق الشفيق هو مَن يرجو لكَ الخير في الدنيا كما الآخرة، حتى أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) حدّدوا لنا بأحاديثهم الشريفة طبيعة الصديق الحقّ الذي يُرضي الله (عزّ وجل) ويُرضيهم، فعن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: «إنما سمّي الصديق صديقاً؛ لأنه يصدقك في نفسك ومعايبك، فمَن فعل ذلك فاستنم إليه فإنه الصديق».(1) الآن بعد أن صرنا من المتوكلين على الله (عزّ وجل)، مستبصرين الدنيا بنوره، متقربين ممّن رضوا قدسيته وجلاله بأخلاقهم وصفاتهم غدونا نحتاج أن نسير على خطط محكمة مدروسة قوية لمسيرة الحياة، فمَن عاش واضعاً لحياته عدّة أولويات وأهداف أمامه صار مليئاً بالهمة، ويملك الأسباب التي تجعله يستفيق في الإصباح ليبدأ حياته في السعي إلى تحقيقها. وتتفاوت هذه الأهداف والهمم بتفاوت الأنام وسبل تفكيرهم ومعتقداتهم، فمَن كان متعلقاً بالله تعالى وبولاية يعسوب الدين (عليهم السلام) ترتبط أهدافه بحبالهم، فتصبح جُلّ تلك الأهداف السعي إلى رضا الخالق، فيبارك هو بكرمه وعظمته تلك الأهداف كونها بنفحات محمّدية وبركات علوية. ليست هذه هي قواعد النجاح فقط، ولكن يمكن أن تكون من الأساسيات لها، فذكر التوكل على الله تعالى والاستنان بنهج الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) وآله الكرام (عليهم السلام) هو أساس لكلّ صواب والبداية لكلّ نجاح . .............................. (1) ميزان الحكمة: ج5، ص200.