شذراتُ الآيات_ حلقة 11

أزهار عبد الجبار
عدد المشاهدات : 175

قال تعالى: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)/ (النور:31) ذكرنا في الحلقة السابقة الحالات التي يجوز فيها للنساء الكشف عن حجابهنّ وإظهار زينتهنّ، وشرحنا إحدى عشرة حالة، أمّا في هذه الحلقة نكمل الحالة الثانية عشر وهي آية (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) يقصد بالطفل: الولد مادام ناعماً وقد يقع على الجميع، قال تعالى: (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا)/ (غافر:67) ومعنى الآية الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا حدّ الشهوة، ولا يعرفون عورات النساء ولا أحوالهنّ، ولا تثيرهم المرأة بحركاتها؛ وذلك لصغر سنّهم، فإذا كان الطفل لا يفهم ذلك فلا حرج أن تُظهر المرأة زينتها أمامه، أمّا إذا كان يحكي ما يرى ويفرق بين المرأة الجميلة والمرأة غير الجميلة فلا يجوز دخوله على النساء لدليل وجوب استئذان الطفل عند دخول البيت، أمّا بالنسبة لكلمة (عورة) وهي سوأة الإنسان، وأصلها من العار، وذلك لما يلحق من ظهورها من العار والمذمة؛ لقبح ظهورها وغضّ الأبصار عنها. أمّا بخصوص الآية (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) أي على النساء أن يتحفظنَ كثيراً ويحافظنَ على عفتهنّ ويبتعدنَ عن كلّ شيء يُثير نار الشهوة عند الرجال، مما يؤدي إلى الإساءة لسمعتهنّ، إذ عليهنّ مراقبة تصرفاتهنّ بشدة. فعليهنّ أن لا يُظهرنَ وسوسة الحلي التي يرتدينها بعد النهي عن إبدائها أمام غير المحارم، فلا يجب أن يصل صوت الحلي والأساور إلى آذان الرجال، ويشمل هذا كلّ ما يثير الفتنة، كتحريك الأيدي بالأساور أو طقطقة الأحذية أجلّكم الله ذات الكعاب العالية أو التعطر عند الخروج من البيت. قال الزجاج: إن إسماع صوت الزينة أشد تحريك الشهوة من إبدائها وذلك؛ لأن الرجال في هذه الحالة سوف يظنون أنّ لدى النساء ميلاً لهم. وانتهت الآية بدعوة جميع المؤمنين والمؤمنات للتوبة والعودة إلى الله (عز وجل) ليفلحوا حين قالت: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والمراد بالتوبة في هذه الآية هو الانقطاع إلى الله (عز وجل) الذي يريد لهم الخير بأن يتوبوا عن ذنوبهم بعد أن اطّلعوا على حقائق الأحكام الإسلامية، فمَن سبقت منه الخطيئة فليتداركها بالتوبة، فإنها مسموعة عند الله (عز وجل)، فلا نجاة إلّا أن تُسلّموا أمركم إلى الله (عز وجل) وتتوبوا. (من شروط التوبة) هو الإقلاع عن الذنب، والندم على ما مضى، والعزم على أن لا يعود إليه، وردَ الحقوق إلى أهلها. (وللتوبة آداب ثلاثة) فالاعتراف بالذنب مقرون بالانكسار، والإكثار من التضرّع، والإكثار من الحسنات لمحو السيئات. (بواعث التوبة سبعة) خوف العقاب، رجاء الثواب، الخجل من الحساب، محبة الحبيب، مراقبة القريب، التعظيم بالمقام، شكر الإنعام. هذه هي التوبة التي يرديها الله (عز وجل) لا كما يظنّ بعض الناس أنها كلمة تُقال باللسان من دون أن يكون لها أثر في القلب، ولا يكون هناك عزم على عدم العودة، وحتى إنّ كثيراً ممّن يزعمون أنهم تابوا عن الذنب يحكون ما فعلوه من الآثام بقصد التفاخر والاستلذاذ لذكره، وهذا دليل على أنهم كاذبون في توبتهم، مراؤون في أفعالهم. ثم يقول: (عز وجل) (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ)(1) والمعنى ارجعوا إلى الله (عز وجل) أيها المؤمنون بالله ورسوله إذ لا يكاد يخلو أحدكم من تفريط في أمره ونهيه، فأطيعوا الله (عز وجل) فيما أمركم به ونهاكم عنه من غضّ البصر، وحفظ الفرج، وترك دخول البيوت بغير استئذان ولا تسليم، إذ إن الله (عز وجل) طالب المؤمنين جميعاً في هذه الآية بالتوبة، فمَن ترك الشرك وآمن بالله فقد تاب، وعليه أن يحافظ على تلك التوبة.(1) ثم قرن التوبة بالفوز والفلاح حين قال (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي تفوزون بسعادة الدارين، فوصّى الله (عز وجل) جميع المؤمنين بالتوبة والاستغفار؛ لأن العبد الضعيف لا ينفك عن تقصير يقع منه، وعليه أن يجتهد برعاية تكاليف الله (عز وجل)(2). إن الإسلام دين العفة يعدّ الأمور التي تثير الفتنة والشهوة خاصة بالأزواج فقط، ومحرمة على غيرهم حتى لا يتلوث المجتمع وينحط، وعبارة (أَزْكَى لَكُمْ)/ (النور:28) المشار إليها في الآية السابقة تعرض هذه المسألة، فالإسلام يريد للرجال والنساء المسلمين نفساً مطمئنة، وأعصاباً سليمة، ونظراً وسمعاً طاهِريْن، وهذه واحدة من فلسفات الحجاب الذي إذا ألغي تفشّى الفساد، وكَثُرت المشاكل الاجتماعية من طلاق، وانتشار الأولاد غير الشرعيين، وأصبح المجتمع مُفككّاً فهذه المسألة مهمة وخطرة، والإسلام وضع لها الحلول السليمة، وهذا واضح للعيان عن طريق ملاحظة الفرق بين المجتمعات الإسلامية والغربية، فالله (سبحانه وتعالى) حين وضع الحجاب ليحفظ للمرأة كرامتها؛ لدورها المهم الذي تؤديه وهو تربية الأبناء الذين بهم يُبنى مجتمع سليم وفعّال(3). ................................... (1) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص172-175. (2) حدائق الروح والريحان: ص313،314. (3) الأمثل: ج11، ص53-56.