رياض الزهراء العدد 103 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيَات_ 4
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا..)/ (الطلاق:6، 7). هذه الآية تعطي توضيحاً واسعاً وشاملاً لحقوق المرأة بعد الطلاق, من حيث السكن والنفقة وأمور أخرى لذا قال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ..) الوُجْد: على وزن حُكْم, بمعنى القدرة والتمكن, يقول الراغب في كتابه المفردات: إنّ التعبير بـ (..مِنْ وُجْدِكُمْ..) يعني بما تستطيعون وبما تقدرون عليه, بمعنى اختاروا مسكناً مناسباً للنساء المطلقات، ومن الطبيعي أنه حينما يكون الإسكان على نفقة الزوج فإنّ الأمور الأخرى من الإنفاق ستقع أيضاً على عاتقه، والشاهد على ذلك ذيل الآية التي تتحدث عن نفقة النساء الحوامل.(1) بعدها تطرّق تعالى إلى ذكر حكم آخر فقال: (..وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ..) أي لا تُدخلوا الضرر عليهنّ بالتقصير في السكن والنفقة والكسوة، وذلك للتضييق عليهن فيخرجنَ من البيت, وقيل المعنى: أعطوهنّ من المسكن ما يكفي لجلوسهنّ ومبيتهنّ وطهارتهنّ ولا تضايقوهنّ حتى يتعذر عليهنّ السكن، وتحت هذه الضغوط لا يستطعنَ معه إلا الهرب وترك كلّ شيء. ثم يقول تعالى: (..وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..) أي إذا كنّ حوامل فقد أمر الله(عزّ وجل) بالإنفاق عليهنّ بعد الطلاق؛ لأنّ عدتهنّ تنقضي بوضع الحمل.(2) ثم يذكر تعالى حكماً حول النساء المرضعات، فيقول(عزّ وجل): (..فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ..) أي أجرة تتناسب مع مقدار الإرضاع وزمانه, وطبقاً لما هو معروف وشائع، ولأنّ الأطفال في كثير من الأحيان يكونون نقطة نزاع بين الوالدين لذا أوضح القرآن الكريم في هذا الأمر الحكم القاطع واللائق حيث قال: (..وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ..) بمعنى تشاوروا بينكم في مصير الأولاد ومستقبلهم، وجملة (..وَأْتَمِرُوا..) من (مادة ائتمار) وتأتي أحياناً بمعنى (قبول الأمر)، وأحياناً أخرى بمعنى (التشاور)، وهذا المعنى أقرب للآية، والتعبير (بمعروف) تعبير جامع يشمل كلّ مشاورة فيها خير وصلاح. في هذه الآية يحذّر القرآن الكريم من مغبّة أن يكون الأطفال ضحية الخلاف الواقع بين الزوجين مما يترك آثاراً واضحة في تكوينهم الجسمي والنفسي، إذ يُحرمون من حنان الوالدين، فينبغي على الزوجين أن يتقيا الله تعالى ويحفظا حقوق أطفالهما؛ لأنهم ضعفاء لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. أمّا في حالة عدم حصول توافق بين الزوجين حول مصير الأطفال وقضيّة إرضاعهم فيقول تعالى: (..وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)، فهناك إشارة إلى أنه إذا طالت الخلافات فأعطوا أطفالكم إلى مرضعة أخرى على الرغم من أنّ الأم هي الأولى، ولكن إذا طال الخلاف فلا ينبغي أن يُنسى الأطفال في خضمّه. وبخصوص الآية: (فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا..) فهي تبيّن آخر حكم في هذا المجال, وعدّها بعض المفسرين خاصةً بالنساء المرضعات فقط, وبعضهم عدّها مرتبطةً بالنساء اللواتي يتعهدنَ رضاعة أطفالهنّ بعد الطلاق وفي أثناء العدّة أو يرتبط بكليهما، وعلى كلّ حال لا ينبغي للذين ليس لديهم القدرة أن يتشدّدوا ويعقّدوا الأمور, غير أن الذين لا يملكون القدرة المالية غير مأمورين إلّا بما يقدرون عليه، ولا يحقّ للنساء مطالبتهم بأكثر من ذلك، وبناءً على هذا فالذين لديهم القدرة والاستطاعة ثم يبخلون فإنهم يستحقّون اللوم والتقريع لا الذين لا يملكون شيئاً.(3) ............................... (1) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج18، ص268. (2) مجمع البيان: ج10، ص47. (3) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج 18، ص268-269.