رياض الزهراء العدد 103 أين صراطي المستقيم؟
أَثَرُ الدُّعَاءِ فِي حَيَاةِ الفَرْدِ المُسْلِم
ممّا لاشكّ فيه ولا جدال أنّ للدعاء أثراً بالغاً في حياة الإنسان، فهو سلاحٌ يحمله في الشدّة والرخاء، وهو الوسيلة للاتصال الروحانيّ مع الله(سبحانه وتعالى)، وبمعنى آخر هو العبادة الربانيّة والطلب الذي يقدّمه العبد إلى ربّه (..ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..)/ (غافر:60) ويعدّ الدعاء الوسيلة التي تقرّب العبد إلى ربّه ليرتقي الإنسان إلى سلّم الصّلاح والاستقامة، ويبعده عن الانحراف حين يطلب العون من الله سبحانه لإصلاح نفسه لاسيّما مَن أراد الدعاء بنية صادقة خالصة لوجه الله(عزّ وجل)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ العبد ليدعو فيقول الله(عزّ وجل) للملكين: قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته، فإني أحبّ أن أسمع صوته، وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى: عجّلوا له حاجته فإني أبغض صوته".(1) وهناك أوقات كثيرة يُستحب أن يكون الدعاء فيها، ويُستجاب فيها الدعاء بإذن الله(عزّ وجل)، ومن هذه الأوقات الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة للصلاة، وفي السجود، وعند نزول المطر، وفي آخر ساعة من بعد دخول وقت العصر، وعند الجهاد، وفي يوم عرفة، وفي ليلة القدر، وفي شهر رمضان، وفي ليلة الجمعة، وعند تلاوة القرآن الكريم وختمه. وعند الدعاء والتضّرع لله(سبحانه وتعالى) لابدّ من الالتزام بآداب الدعاء حتّى يصل لله جلّ وعلا ويقبل منّا ويُستجاب، وبما أنّ لكلّ واجب شرائط، فهناك عدّة شرائط قد وضعها الله تعالى لطلب الدعاء، هي: 1. النيّة: إنّ أهم ركن أساسي في كلّ عمل يقدّم لله تعالى هو النيّة لله تعالى، ولا عملٌ إلّا بنيّة، والنيّة أمرها عظيم، وهي روح الأعمال، وبها صلاح الأعمال، كما قال النبيّ(صلى الله عليه وآله): "إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرئ ما نوى".(2) فهي تحوّل المباحات إلى طاعات وقربات، فلهذا ينبغي العناية والاهتمام بها، وجعلها لله تعالى خالصة من شوائب الرياء والسمعة. 2. الطهارة: تعني النظافة والخلاص من الأدناس والأقذار حسيّة كانت أم معنويّة، فالحسيّة: طهارة متعلقة بالبدن، والملبس، والمكان، والمعنويّة: نزاهة واستقامة متعلقة بالسلوك والأخلاق. قال الله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)/ (التوبة:108). 3. الصدقة: لا يخفى على الجميع الثواب الذي تحمله الصدقة، فهي تُطفئ غضب الربّ، فما أعظم منزلتها عند الله تعالى، ومَن أراد الدعاء عليه أن يتصدّق بشيء من المال قربة لوجه الله تعالى، كما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدّق به، وشم شيئاً من طيب، وراح إلى المسجد ودعا في حاجته بما شاء الله".(3) 4. البسملة: إنّ أيّ عمل يقوم به الإنسان لابدّ من التهيئة له، وتعني البسملة هي الابتداء لأي عمل يقوم الإنسان به، كما قال الرسول(صلى الله عليه وآله): "لا يُردّ دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم".(4) 5. الصلاة على محمّد وآل محمّد: يبتدئ الدّعاء بالصلاة على محمّد وآله، وينهى بها فهي من موجبات قبول الدّعاء والأعمال بلا شك. فقد جاء عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): "كلّ دعاء محجوب عن السماء حتى يُصلى على محمد وآل محمد".(5) 6. الخشوع والتضرّع والبكاء: عند الجلوس أمام شخص لطلب حاجة ما تسود الطالب للحاجة السكينة والحياء والتذلّل لقضاء حاجته، فكيف بنا ونحن بين يدي جبّار السموات والأرض، فلابدّ من إظهار الخشوع والخضوع والبكاء دلالةً على العبوديّة لله سبحانه. 7. الإلحاح بالدّعاء: الإلحاح مطلوب ومشروع، وأحبّ شيء إلى الله(عزّ وجل) أن يلح العبد في الدعاء؛ لأنّ الدعاء عبادة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "والله لا يلحّ عبد مؤمن على الله(عزّ وجل) في حاجته إلّا قضاها له".(6) 8. الإقرار بالذنب: (اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء). وردت هذه العبارة على لسان إمام معصوم في دعاء كميل، فأحد أسباب تأخر استجابة الدعاء هي الذنوب، ولابدّ من الإقرار بها والاعتراف أمام الله تعالى؛ ليُستجاب الدّعاء حينها. .................................. (1) ميزان الحكمة: ج3، ص205. (2) مستدرك سفينة البحار: ج10، ص208. (3) الكافي: ج2، ص657. (4) ميزان الحكمة: ج2، ص22. (5) كتاب الاربعين: ج1, ص476. (6) الكافي: ج2، ص653.