السَّيِّدَةُ الزَّهرَاءُ (عليها السلام) وَفَتوَى الجِهَاد

نرجس مهدي
عدد المشاهدات : 169

خطبت مولاتنا السّيّدة الزهراء (عليها السلام) في مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله) تلك الخطبة العالية المضامين، والتي ما يزال صدى حروفها له عبق ونور يشقّ الظلام، فبعد أن تحدثت (عليها السلام) إلى مَن غصب الخلافة وجلس في غير مجلسه وجّهت كلامها إلى عوام الناس، وخصّت بذلك قبيلتي الأوس والخزرج، الذين كانوا قد عاهدوا الله(عزّ وجل) ورسوله(صلى الله عليه وآله) على أن ينصروه، وقد هاجر إليهم وقاتلوا معه الملل المختلفة من يهود ونصارى، كلّ ذلك كان لإعلاء كلمة الإسلام، فقالت (عليها السلام): "إيهاً بني قيلة أأُهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدى ومجمع، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدّة والأداة والقوّة، وعندكم السلاح والجنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، ..لا وقد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم..".(1) لقد وجّهت (عليها السلام) خطابها إلى قبيلتي الأوس والخزرج بالخصوص؛ لأنهم رجال قوّة ونصرة، وقد كانت مواقفهم أيام النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) مشهودة، فكأنّها تقول لهم أنا أُظلم إرثي وأنتم تسمعون شكايتي، فتسكتون وترون مظلوميّتي، ولكن لا تحرّكون ساكناً! وها أنا أدعوكم بندائي هذا وأنتم تعلمون الخبر، ولكنّكم متحيّرون، لا تتّخذون موقفاً تنصرون به ابنة نبيّكم، وأنتم الذين لديكم العدّة والعدد والسلاح والقدرة الكافية لإسعافي ونصرتي، وأنتم مَن شهدت لكم سوح الوغى بالقوّة ومباشرة الحرب، فبعد كلّ الجهود التي قدّمتموها تُخفون أشياء كانت معلنة وكنتم تتجاهرون بها؟! والذي يتقدّم هكذا في عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله) كيف له أن يرجع القهقرى بعد كلّ تلك الخدمات في الإسلام؟! وكلامها هذا كان لكي تستفزّهم وتوقظهم من سباتهم وتستنهضهم لنصرتها على الباطل، وهي لا تقصد (عليها السلام) بكلامها هذا إثارة الفتنة أو إراقة الدماء، ولا تريد أن تقود جيشاً، ولكنها عارفة بأحوال الناس، وإنّ هذا الأمر دُبّر بليل. فقد وبّختهم (عليها السلام) على فعلهم هذا؛ لأنهم قد انسحبوا عن الدين بعد أن استساغوه، فقد لفظوه الآن! وهي تعلم باتجاهاتهم وتعرف نفوسهم، وتعرف أنّها حتى لو خطبت فيهم واستنهضتهم فإنّهم لا ينصرونها ولا يقفون موقف الدفاع عن ابنة نبيّهم(صلى الله عليه وآله)، ولكنها (عليها السلام) ألقت عليهم الحجّة. مولاتنا يا نور أعيننا أين كان هؤلاء الشيعة والموالون عن نصرتكم؟! مولاتي الذين ما إن أفتى حفيدكم (دام ظلّه) فتوى الجهاد الكفائي للدفاع عن الدين والعقيدة والعرض واستنهضهم، فنهض صغيرهم قبل كبيرهم، يسارعون، يتسابقون، متفانين مضحّين، فيعزّ على الموالي الغيور أن يسمع استنهاضكم، ولكن دونما مجيب. مولاتي، يا نور عيني، إن لم نكن في زمانكم، فالذين يقاتلون الآن في سوح الوغى إنما يدافعون عن عقيدتهم ومبادئهم، وأنتِ يا مولاتي يا قدّيسة العوالم سرّ هذه العقيدة، فلا تحزني ولا تُهضمي، فإنّ لكم أسوداً قد شربوا الحب، والولاء، والتضحية، والفداء، وسيجيبون استنصاركم مع يوسفكم الغائب(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) إن شاء الله تعالى ولو بعدَ حين.. .................................... (1) أعيان الشيعة: ج1، ص317.