فِضَّةُ.. امْرَأَةٌ مِن ذَهَب

د. بيان العريّض
عدد المشاهدات : 955

فضّة النوبيّة هي جارية السّيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، دخلت إلى بيت الإمام عليّ (عليه السلام) خادمة فأضحت واحدة منهم، أخلاقها أخلاقهم وآدابها آدابهم وأحاديثها أحاديثهم. لقد استعانت بها الزهراء (عليها السلام) بعد أن طلبتها من والدها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ (عليهم السلام) قال: "إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها فضة النوبيّة وكانت تشاطرها الخدمة، فعلّمها رسول الله(صلى الله عليه وآله) دعاءً تدعو به، فقالت لها فاطمة (عليها السلام) أتعجنين أو تخبزين، فقالت: بل أعجن يا سيّدتي وأحتطب، فذهبت وبيدها حزمة وأرادت حملها فعجزت، فدعت بدعاء علّمها إياه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو: (يا واحد ليس كمثله أحد، تميت كلّ أحد، وتفني كلّ أحد، وأنت على عرشك واحد، ولا تأخذه سنة ولا نوم) فجاء أعرابي كأنه من أزد شنوءة فحمل الحزمة إلى باب فاطمة (عليها السلام)".(1) ولقد كانت السّيّدة فضّة موالية لأهل البيت (عليهم السلام)، شديدة الولاء ومحبّة لهم، أبدت افتخارها في الانتساب إليهم، كلّما سُئلت مَن أنتِ؟ تقول: أنا فضّة أَمَة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ابنة محمّد المصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.(2) فكانت فضّة تشاطر الزهراء وأهل بيتها (عليهم السلام) الكرام أيامهم في الشدّة والرخاء، حتى ذكرت معهم حين نزلت الآيات، فعن ابن عباس (رضي الله عنه): "إنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر عليّ وفاطمة (عليهما السلام) وفضّة جارية لهما إن برئا (الحسن والحسين (عليهما السلام)) ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهم شيء (طعام)، فاستقرض عليّ (عليه السلام) من شمعون الخيبري اليهوديّ ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة (عليها السلام) صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل وقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء،.." إلى آخر الرواية، حيث تصدّقوا بإفطارهم جميعاً لثلاثة أيام على المسكين واليتيم والأسير.. حتى نزل جبرائيل وقال: "خذها يا محمّد، هنأك الله في أهل بيتك، فأقرأه سورة هل أتى".(3) ولو لم تكن فضّة قد أصبحت واحدة من أهل بيت محمّد (عليهم السلام) لما ألزمت نفسها بفعل آل محمّد (عليهم السلام)، محبّةً وتقرباً إلى الله لشفاء الحسنين (عليهما السلام). ومن هنا يمكننا القول إنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) قد عدّها من أهل بيته يوم ناداها للتزوّد من فاطمة (عليها السلام) وهي سجيّة قد فارقت الحياة مع أولاده وكأنها واحدة منهم..، قال عليّ (عليه السلام): "..وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت: يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلمّوا تزوّدوا من أمّكم، فهذا الفراق، واللقاء الجنة".(4) ولقد كانت الزهراء (عليها السلام) أمّاً لكلّ مَن عاشرها وتشرّف بالتقرّب منها، فلقد كانت أمّ أبيها الرسول(صلى الله عليه وآله)، أفلا تكون أمّاً وقدوّة لجاريتها؟ إنّ بيت فاطمة (عليها السلام) مدرسة إسلاميّة متكاملة، سعيد مَن انتسب إليها وعاش في كنفها أياماً، وفضّة كانت تلميذة نجيبة في هذه المدرسة الرساليّة، ولقد تخرّجت فيها فقيهةً بعد أن دخلتها خادمة..، فنجدها تحدّث عن السّيّدة الزهراء (عليها السلام) وأحوالها روايات معتبرة تتناقلها الأقلام، وتعطي رأياً فقهيّاً يعجز عن إدراكه خليفة المسلمين، وتبقى عشرين سنة لا تتكلّم إلّا بالقرآن الكريم. .......................................... (1) تراجم أعلام النساء: ج2، ص365. (2) بحار الأنوار: ج43، ص174. (3) ميزان الحكمة: ج4، ص3275. (4) كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ص149.