رياض الزهراء العدد 103 الملف التعليمي
حُفْرَةٌ
الكثير من المدربين والمحاورين وكذلك المعلمين في دور التعليم يعانون أحياناً من عدم استرسال الفئة التي يتعاملون معها أو التوقّف فجأةً من قبل بعض الأفراد عن المشاركة في نقطة ما في الدرس أو الموضوع الذي يتم عرضه أو البت فيه أو الامتناع عن الدخول في غمار المناقشة فيه، حتى وإن كان الموضوع متعلّقاً بهم أو على قدر كبير من الأهميّة والفائدة أو نال استحسانهم. وهنا لابدّ من أن يستيقظ في قرارة نفس كلّ فئة منهم سؤالٌ باحثٌ عن سرّ هذا النفور أو الإحجام. فما سرّ هذا التوقف المفاجئ أو الامتناع عن المشاركة أو حتى محاولة الدخول فيها يا تُرى؟ لو بحثنا عن السرّ باستخدام منظار المنطق وتطلعنا جيّداً حول الفضاء المحيط بذات المتلقي نفسه, سنلاحظ أنّ السبب يعود إلى وجود معلومات مفقودة لدى المتلقي تجعله يحاول التوقّف قليلاً أو الرجوع إلى الخلف أحياناً؛ بحثاً عن تلك المعلومات. هذا التوقف يؤدّي إلى تأخّره عن اللّحاق بالمعلومات المستجدّة وعدم القدرة على الإلمام بها لغياب قدرته الاستيعابيّة حين تلقيها. إذن السبب كان التوقّف المفاجئ، ونحن نعرف أنّ أيّ توقّف مفاجئ يأتي إمّا بسبب خلل ما أو وجود مشكلة في خط السير، وأحياناً هذه المشكلة تكون حفرة, صغيرة كانت أم كبيرة, قديمة المنشأ كانت أم جديدة, فهي حفرة تخترق طريق الفهم وتعيق الاسترسال في الاستيعاب، وتخلق في النفس رهبة تزعزع الإقدام على المشاركة، وربّما يتمّ دعم الامتناع عنها بتوقعات سلبية للنتائج النهائية للحوار أو محصلة الفهم النهائية للدرس إن تحدثنا عن المتعلمين. فلو توقف المحاورون أو التربويون قليلاً وحاولوا استيعاب حجم تلك الرهبة، وأثر تلك الحفر وإن كانت ضحلة، وما تخلقه في نفس المتلقين، وما تحدثه من فجوة حقيقية في الفهم حتى لدى العباقرة ومتسعي الأفق وأصحاب القدرات العالية منهم، وما يترتب على وجودها واحتمالية اتساعها إن لم يتم تداركها، لحاولوا جاهدين سدّ تلك الفجوة بالتراجع قليلاً إلى الخلف حتى يلملموا شتات المعلومات المتبعثرة، ويمسكوا بأيدي المتلقين ليسيروا معاً جنباً إلى جنب، وعندها لن تتفاقم المشكلة، وستحلّ بسرعة، وتختصر الكثير من الوقت، وتختزل الجهود التي أحياناً كثيرة تضيع سدىً بلا عائد إيجابي أو فائدة لأيّ طرف من الأطراف. حقيقة لا نستطيع إنكارها فالناس قدرات، ولكن مادام العقل سليماً ولا يعاني من خلل ما، فالمجال متاح للوصول إلى العبقرية، ولكن حتى العبقرية تحتاج لتذليل طرق الوصول إليها، كي يتمكن المتمكن صغيراً كان أم كبيراً من تسلّق مداركها واستيعاب أبعادها وإلّا فإنها ستبقى قابعة في قعر زاوية مظلمة في ذات العباقرة المجهولين إلى أن يأتي مَن ينتشلها أو يوقظها من سباتها. وإلّا فستبقى صورة العبقري بأبعاد غير حقيقية في عيون المحيطين به؛ لأنهم يرون صورته كما الصورة التي تظهر في المرآة المقعرة.