نَسَمَاتُ الحُبِّ والعَطَاء

زهراء حكمت/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 149

مضى النصف الأول من العام وسارعت الأيام والأسابيع لتلملم خطاها وهي تطوي نصف عام من الوعي والتعارف بين المعلّم والتلميذ؛ لتوطّد علاقةً جميلة هادئة بين بعض القلوب الشفافة وبين المعلّمات، وبدأت مع تباشير البرد تتدفّأ تلك القلوب بحنان آخر تحتاجُ إليه الفتاة كثيراً، وإن لم تجده في البيت والمدرسة بحثت عنه في مكان آخر، جميل لها ظاهراً، ومظلم وظالم باطناً؛ لأنه يبحثُ عن نزوةٍ عابرة، ومنفعةٍ آنية، ومتعة رخيصة، فتآلفنَ المعلّمات وتكاتفنَ معاً على أن لا يتركنَ القلوب تذهب للتطلّع إلى غير ما أحلّه الله تعالى بخاصة وهي قلوب نضرة شفافة رقيقة وصغيرة لا تعرف لأنياب الذئاب الكاسرة معنى ولا تفكر بما تحويها من ألم قاتل. تقول إحدى المعلّمات: كنتُ أُبادل طالباتي بنظرات الحنان وبكلمات للسؤال عن الحال مع ابتسامة هادئة كلّ صباح، وأيضاً اترك لهنّ المجال للتعبير عن الحبّ والحنان والاندماج بقصاصات أوزّعها عليهن بين مدة وأخرى، وأقول لهنّ: اكتبنَ لي مقترحاً أو فكرة أو رأياً يروق لكنّ بالتدريس، وأيضاً أطلب منهنّ أن يبدينَ رأيهنّ بمادّتي وطريقة تدريسي، وهل لهنّ شكوى خاصّة عليّ؟ ومن بعد ذلك أجمع الأوراق وطبعاً أخبرهنّ بأن لا يكتبنَ الأسماء على الأوراق ليتحدّثنَ بعفويّة وبصراحة أكثر لي عمّا يجول بخاطرهنّ وبلا حرج أو خوف، وتعجّبتُ عندما قالت لي: صدقيني قبل أن تنتهي الحصة أحصل على ثمار عدّة منها: 1. كسر حاجز الخوف والقلق من المدرس. 2. إنشاء أُلفة بين قلبي وقلوبهنّ وبحدود الاحترام والوقار. 3. أُفرغ مالهنّ من الطاقة والرغبة بكتابة كلمات الحبّ والمقترحات. 4. أشعرهنّ أنّ لهنّ رأياً نافعاً ومهماً لديّ. 5. أحقّق لنفسي شعوراً بالراحة بأنني أبرأت ذمتي معهنّ ولو بالقليل من الحبّ والتواصل مع قلوبهنّ الطيّبة بخاصّة أنّ ضغط الدوام والدراسة واكتظاظها بسبب العطل يؤدي إلى التدريس المستمر والامتحانات بلا تواصل مع مشاعر الطالبات التي في الوقت نفسه هي جزء مهم وجانب نافع للحب للمادّة والتحضير لها. وأضافت معلّمة أخرى قائلةً: قبل نصف السنة أحقق الألفة بين قلوب الطالبات بطرق عدّة، ومنها: 1. أحثّ الطالبة القويّة والمجتهدة في الدراسة على تدريس الأقل مستوى منها، وأُحضر لهنّ هديتين الأولى للمجتهدة لتدريسها، والثانية للضعيفة لدراستها، وبهذا أحقّق التوازن والنجاح بالنسبة وبالصف أيضاً. 2. أعدّ البطاقات التي أكتب فيها الأسماء للمتميّزات وأعلّقها على صدورهنّ للتمييز، وأيضاً لا أغلق المجال أمام الأخريات بل أحدد كلّ أسبوع أو 10 أيام اسم طالبة تقدّمت وارتفعت درجاتها عن المدّة السابقة، لأُبقي الكلّ متأهّبين للتميّز، وأُشعر الجميع أنّ لهنّ القدرة على ذلك بالجدّ والاجتهاد والدراسة المتواصلة والحثّ اليومي. أقول حقيقة نفوس كهذه وقلوب تدريسيّة راقية وأساليب ناجحة تُشعرنا بالأمل المتغلغل للروح بأنّ لنا غداً مشرقاً وبالعطاء والنجاح مفعماً، وتزيد الأمنيات والعمل على أن نصنع منهنّ رمزاً في سجل التدريسيين المبدعين.