أَهدَافُ الجِهَادِ فِي القُرآنِ الكَرِيم
إنّ تشريع القتال في القرآن الكريم مرّ بمراحل قتالية متعددة منها مرحلة المنع والكف عن القتال، قال تعالى: (..كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)/ (النساء:77)، في هذه المرحلة كان المسلمون يُنصحون بكفّ الأيدي عن قتال المشركين، لا أن يدعوهم على الخط الطويل يضربونهم ويعذّبونهم، ومن ثمّ يتحملون أذاهم ويسلمون عليهم ويرضون ويسالمونهم حتى أذن الله تعالى لهم بالقتال، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)/ (الحج:39). فالتدرج التشريعي للجهاد تجلى في آيات من الذكر الحكيم التي يفهم من بعضها أنها ذات طبيعة دفاعية للجهاد، ومنها ذات طبيعة ابتدائية للجهاد، ومن الآيات ما تأمر بإقامة علاقة البرّ والقسط والإحسان للكافرين، وعدم الإكراه على الدخول في دين التوحيد، وهذه الآيات وتشريعاتها تختلف مرحلياً وحركياً بحسب الدواعي والأسباب. عدة من الآيات نقف فيها على نوع من أنواع الجهاد، ألا وهو الجهاد الدفاعي في الإسلام، وكذا إقامة العلاقة السلمية مع الكافرين، قال تعالى: (..فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا)/ (النساء:90)، وقال تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)/ (الأنفال:61)، وقال تعالى: (..فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)/ (التوبة:12). فالقرآن الكريم بيّن نحوين من الأحكام تجاه الكافرين، نحو يفرض فيه قتال الكفار ومحاربتهم في عدد من الآيات، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ..)/ (البقرة:193)، وإنّ الكافرين مصدر للفتنة، وإنهم ما يزالون يقاتلون المؤمنين ولم يتركوهم وشأنهم، قال تعالى: (..وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ..)/ (البقرة:217). ونحو يبيّن فيه طبيعة العلاقة بين المسلم والكافر بأن تقوم على أساس البرّ والقسط، قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)/ (الممتحنة:8)، والمقصود بهم أفراد الكفار، والجماعات والقبائل، والمدن غير المنتظمة في الكيانات السياسية الكافرة المحاربة لدين التوحيد، وهم الكفار المشتغلون بقضاياهم الدنيوية من زراعة وتجارة وصناعة، وليس لهم كيد ومكر تجاه المؤمنين وعقيدتهم، فينبغي التعامل معهم بعدل واحترام أموالهم وأعراضهم وسائر حرماتهم بقرينة قوله تعالى: (..لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ..)، فالإسلام لا يحمل طبيعة عدوانية قتالية، وما نراه من قتال النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان مدافعة عن الحقّ وأهله، وحماية لدعوة الحقّ القائمة على أساس الحجة والبرهان، فإذا حصل الصدّ والمنع من قِبل أئمة الكفر وأولياء الشيطان، فهنا يلزم القتال لحماية الدعاة ونشر الدعوة، وليس للإكراه على الدين، قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..)/ (البقرة:256)، وقال تعالى: (..أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)/ (يونس:99)، فوجوب المحاربة تختصّ لأجل إزالة الفتنة عن طريق الدعوة إلى التوحيد وتثبيت حاكمية الله (عزّ وجل) على وجه الأرض، وإنّ أئمة الكفر يعيقون عمل المؤمنين في تأدية رسالة التوحيد إلى البشرية، والمقصود بهم الكيانات والأنظمة السياسية الكافرة المفسدة في الأرض، فيصح قتالهم ابتداءً بحسب القدرة، ودفاعاً لما هم متلبسون به من صفة الكفر والفتنة، وقتال الرسول (صلى الله عليه وآله) هو لصدّ فتنة الكفار عن طريق دعوة التوحيد، لا أن يدع فتنتهم تأتي ثم يقوم بردّها.