جَولَةُ الحَقِّ الدَّامِغَة

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 194

الكَرّة نفسها تتكرر من جديد، والحكاية نفسها تنسج خيوطها مرة أخرى، فحكاية الصراع بين قوى الحق والباطل قائمة ما قامت السموات والأرضين، فمنذ خلق الله تعالى تبارك نبيّه آدم (عليه السلام) حتى زمجر صوت الباطل ناطقاً بالعصيان والكفر، قال تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)/ (الحجر:31-35). وهكذا قد ظهر في تاريخ الإسلام منذ أن قُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُناس تابعوا إبليس (لعنه الله)، وأعادوا الكَرّة مرات ومرات في صراع عبر الأجيال، فهنالك دائماً ثلة الأخيار والأبرار تقابلها عصب النفاق والشقاق. فالخوارج الذين قاتلوا الإمام علياً (عليه السلام) كان شعارهم لا حكم إلّا لله (عزّ وجل)، وهم لا يريدون بهذا أن يجعلوا خليفة الله (سبحانه وتعالى) هو الذي يحكم بحكم الله تعالى، بل يريدون تماماً ما أراده إبليس (لعنه الله) من تعطيلٍ وإلغاءٍ لدور خليفة الله (سبحانه وتعالى)، واليوم قد ارتدى بعض الضّالين لباس الشيطان وظهروا مرة أخرى بوجههم المقيت؛ ليعيثوا في الأرض فساداً عبر نشر أفكارهم الضّالة، أمثال الوهابيين وقد نهجوا المنهج الشيطاني لإبليس (لعنه الله) نفسه من إنكار دور خليفة الله (سبحانه وتعالى) في أرضه والكفر به، وبهذا دخلوا في عداد مَن اتّبع إبليس (لعنه الله)، فدعواهم التوحيد ونبذ الشرك بالله تعالى كانت كذباً وزوراً، وهي تماماً دعوى إبليس (لعنه الله) في قبول السجود لله تعالى وحدَه ورفض السجود لآدم (عليه السلام)؛ لأنه عبد خلقه الله (عزّ وجل) من طين. فالذين شاركوا في ظلم أهل البيت (عليهم السلام) هم نفسهم أتباع الشيطان وجنوده، وإن تغيّرت أسماؤهم وعناوينهم، فالعصبة التي أَسست أساس الظلم والجور على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) تحمل خندقاً واحداً يؤوي كلّ من سمع بذلك فرضي به. فكلّ مَن شارك بأذى دار بنت نبيّنا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) السّيّدة فاطمة (عليها السلام) وحارب أمير المؤمنين الإمام علياً (عليه السلام) في الجمل وصفين والنهروان، وكلّ مَن دسّ السّم للإمام الحسن (عليه السلام) ومَن قتل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء قد باشر بيده الآثمة الخبيثة قتل الأئمة المعصومين خلفاء الله (عزّ وجل)، صادق بعد صادق وصالح بعد صالح، ولم يكتفوا بجرائمهم تلك، بل امتدت يد الكفر بما تحمل من الغل والحقد مرة أخرى لتفجير المراقد الشريفة والأضرحة المقدّسة للآل الأطهار (عليهم السلام)، ومنها تفجير المأذنتين للأمامين العسكريين (عليهما السلام) وهم بذلك قد نزعوا النّقاب عن وجوههم الشيطانية، ولا ريب في ذلك فهم ينسلخون من أرحام الكفر والحقد مرة بعد أخرى؛ لأنهم أزلام الشيطان وجنوده يتبعونه اتّباع الفصيل لأمّه، حتى يقصم الله تعالى ظهورهم ببزوغ دولة الحقّ الموعودة على يد محرّرها الإمام الحجة ابن الحسن (عجّل الله تعالى فرجه الشريف). عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله ما تقول في حديث رُوي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا خرج القائم (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم، فقال (عليه السلام): هو كذلك، فقلت: وقول الله (عزّ وجل): (..وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى..)(1) ما معناه؟ قال: صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومَن رضي شيئاً كان كمَن أتاه ولو أن رجلاً قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله (عزّ وجل) شريك القاتل، وإنما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم، قال: فقلت له: بأي شيء يبدأ القائم (عليه السلام) منكم إذا قام، قال: يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم لأنهم سرّاق بيت الله (عزّ وجل)».(2) ................................. (1) (الأنعام:164). (2) مسند الإمام الرضا (عليه السلام): ج1، ص147.