تَنَوُّعُ البَلَايَا الرَّبَّانِيَّةِ بِتَنَوُّعِ الأُمَم
انبلجت شمس الإسلام بعد أُفول زمن الجاهلية الغابر، وبان في السماء رفيف شاهين الدين الذي انتشل الخلق من مستنقع نزق الخلق والدين والمبدأ؛ ليرسي بهم على أرض الدَّعة والسكينة. قال تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)/ (الشعراء: 214), بعد هذا الأمر الربانيّ بدأ دويّ الدعوة الإسلامية يتعالى صداه من على منصة الحقّ والصواب والقسط والعدل التي تصاعدت أُسّسها بيد خير البرية. بيّن الرسول (صلى الله عليه وآله) لمعشر المسلمين نهجاً ما إن تمسكوا به لن يضلوا من بعده، كتاب الله (عزّ وجل) وأهل بيته (عليهم السلام)، هنا كان الحد الفاصل وتقرير المصير لجمهرة المسلمين الذين انشطروا لأقسام، منهم مَن اقتفى أثر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام)، ومنهم مَن سلك مسلك الإبادة والبت لهذا النهج والأثر القويم. لو تأملنا بين صفحات التاريخ العلويّ والحسينيّ أو الجعفريّ لا يتبيّن لنا كمنقبينَ عن الحقيقة سوى استمرار ذاك النهج الدمويّ الإباديّ، حيث أخذ في ذاك الزمن الظلم بالازدياد وتياه الحق والصواب ما بين الرذيلة والمآثم. سأمسك بأطراف حديثي واضعة الهدف الرئيسي للمقالة أمامي وانطلق في إبانة الأوضاع والمشاكل الراهنة من منطلق رؤيتي المتواضعة لما تشهده معظم الشعوب مسلمة كانت أم خلافها، بما خالفت به منهاج النبوّة ومعدن الرسالة. فلو نظرنا في الأحداث ما بين تاريخنا الحاضر والعهد الذي أعقب وجود النبيّ (صلى الله عليه وآله) نرى التعدد والتنوع للابتلاءات والامتحانات التي مرت على راكبي دوامة الحياة. (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)/ (الأنفال:25) ليس كلّ راكب لدوامة الحياة بمذنب أو ظالماً ولكن ما إن يتفشَّ في قوم أو أمّة من الأمم شيءٌ من الذنب والإثم يأخذهم الله تعالى بامتحانه، ويُسلط عليهم الفتنة. وهنا يجدر الإشارة إلى أنّ ثلّة من المؤمنين قد يُؤخذون بعذاب أو ابتلاء؛ تأديباً لما تركوه من الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر بخاصة منهم مَن سلك النهج العلويّ، فهم لديهم كلّ الحجج والبراهين التي وضعتها لهم العترة الهادية ليستندوا إليها عند مقارعة الآثمين، قال (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله لا يعذب الخاصّة بذنوب العامّة، حتى يظهر المنكر بين أظهرهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه».(1)، وقال أبو الحسن (عليه السلام): «لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهُنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم».(2) لو أمعنا النظر وحاولنا تفسير ما نعيشه في زماننا من تتابع الأحداث وتكاثر الآلام والأوجاع على أممنا نستطيع فهم ذلك عن طريق ربط الحلقات رجوعاً إلى الوراء على مدار التاريخ بعضها ببعض، فيتبيّن لنا أن من عادى آل النبيّ (صلى الله عليه وآله) منذ ذاك الزمان إلى زماننا الحالي ظلّ حاملاً تلك الضغينة بدواخله ووظّفها بطرق وأساليب متعددة الأشكال، منها القتل والبطش، ومنها التحريف والتكفير للمنهج الحقّ القويم، فنتج عن هذه الآفات السرطانية انتشار الآثام والمحارم، فأخذت تتسع رقعها ويتسارع انتشارها على الأرض وتنتشر معها بصورة طرديّة الابتلاءات والامتحانات الربانيّة، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)/ (العنكبوت:2). هنا في خضّم المشاكل وتتابع مصاعب الحياة يعيش أناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولا يلبثون أن يتمسكوا، فيرفعون راية (نصر من الله وفتح قريب)، سيّرتهم مشيئة الله نحو امتحان لا ينال الدخول في أدائه إلّا مَن صار اسمه في السجل الحسينيّ الولائيّ، هم حشد الله (عزّ وجل) ورجاله، هم من أكرمهم الله (عزّ وجل) بقيادة أهل الجنة كما جاء في الحديث النبويّ الشريف: «المجاهدون في سبيل الله قوّاد أهل الجنة».(3) أراهم وأرانا الله تعالى ذلك الذي ينشر لواء النصر ويذيق أعداءه الهوان والعقاب بفضله وعزّته. .............................. (1) جامع السعادات: ج2، ص180. (2) الكافي: ج5، ص34. (3) مستدرك الوسائل: ج11، ص18.