رياض الزهراء العدد 104 الملف التعليمي
عَطَاءُ الكَفِيلِ حَبَا عَلَينَا بِافْتِتَاحِ مَدرَسَةٍ دِينِيَّةٍ نُسوِيَّةٍ
كي نفتح أمامنا مجالات وأفقاً من المعرفة علينا أن نبدأ بالطريق الصحيح المتمثل بديننا الحنيف، دين أهل البيت (عليه السلام) الذي يحثّ على طاعة الله تعالى وعبادته للوصول إلى الكمال الإنساني، لنوسع أهدافنا الأخروية ونستجيب إلى نداءات قلوبنا الصامتة في تحصيل مرضاة الله (عزّ وجل)؛ لتنوير المجتمع بتعاليم الشريعة الإسلامية المحكمة والإيمان المطلق بأنها شريعة مرنة وشاملة تستوعب جميع الأزمنة والأمكنة. نبدأ بالمرأة فهي راعية ومربية ومسؤولة عن المجتمع بأكمله، ومن هذا المنطلق افتتح قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية التابع للعتبة العباسيّة المقدّسة مدرسة دينية نسوية في شهر ربيع الأول لسنة 1437هـ، والتي تقع في مبنى الصديقة الطاهرة في مدينة كربلاء المقدّسة؛ لتكون الأم لباقي مدارس الكفيل الدينية في العديد من المحافظات الأخرى، وتهدف هذه المدرسة إلى إنشاء مجتمع إسلامي تعمّه الفضيلة، فالمرأة هي المسؤولة عن تربية الأجيال اللاحقة والقادمة، لتعدّ نخبة فاعلة من خريجات مدارس الكفيل الدينية النسوية لقيادة الوعي الإسلاميّ النسويّ في التثقيف العام، ولتعدّ كفاءات دينية واجتماعية، ويدرّس في هذه المدرسة مناهج دراسية وفق منهج أهل البيت (عليهم السلام). والتقينا بالسيّدة (أم شاكر) التي في ضمن لجنة اختبار الطالبات في المدرسة، ووجهنا لها عدة أسئلة للتعرّف أكثر على هذه المدرسة، وفي البداية تحدثت عن شروط القبول في المدرسة قائلةً: يتم قبول الطالبات مابين عمر (15ـ40) سنة، وتُقبل الطالبات بعد إجراء اختبار لهنّ يتضمن أسئلة حول ثقافتهنّ العامة والدينية، وهل يجدن القراءة والكتابة؟ وإن نجحت في الاختبار نعطيها ورقة قبول كي تلتحق بالمدرسة. مدة الدراسة في المدرسة خمس سنوات، هل هذا السقف الزمني طويل بالنسبة إلى طالبات المدرسة؟ العلوم الدينية تختلف عن باقي العلوم الأخرى، فكلما تزوّدنا بعلومها وتعلّمنا أفقها تُفتح لنا آفاق أكبر وأكثر، والدوام الرسمي في كلّ سنة يبدأ من شهر ربيع أول إلى شهر ذي الحجة، ومدة الدوام خلال اليوم لساعات قليلة، ولأربعة أيام في الأسبوع. ما هو عدد الطالبات في المدرسة؟ العدد الأكبر المسموح للطالبات هو مائة طالبة، ويتوزعن على أربعة صفوف، وإن كان العدد أكثر نحاول بإذن الله تعالى افتتاح وقتين للدوام (صباحي ومسائي). كيف تم اختيار الملاك التدريسي للمدرسة؟ تم اختيار مدرّسات متمكنات من مدارس دينية، كمدرسة فدك الزهراء (عليها السلام)، ومدرسة فيض الزهراء (عليها السلام)، ومدرسة الكتاب والعترة. ما هي طبيعة المناهج الدراسية التي تُدرّس في المدرسة؟ المناهج تتطور بحسب تقدّم كلّ مرحلة دراسية، فالدروس التي تُدرّس في المرحلة الأولى هي: (المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيّد السيستاني (دام ظلّه)، وعقائد (بداية المعرفة)، وسيرة أهل البيت المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، ومنطق، ونحو، وأحكام التلاوة، وعلوم القرآن). ما الحافز الذي تقدّمونه للطالبات عن طريق هذه المدرسة؟ إضافة إلى أنّ وسائل النقل للطالبات ستكون مجانية، أيضاً خلال مدة الدوام ستكون هناك سفرات دينية للطالبات. تعرّفنا على الطالبات في المدرسة وتحدثنَ عن تطلعاتهنّ التي سيُحقّقنها عن طريق الانتماء إلى المدرسة، وفي البداية تحدثت (أم زيد)/ ربة بيت قائلةً: منذ أن قرأتُ الإعلان تشجعتُ أن أنتمي إلى المدرسة، وأرغب أن أعوّض الوقت الذي فاتني في عدم الإلمام بصورة صحيحة بديني، وطموحي المستقبلي الإلمام بثقافة ديني، وأوجّه مجتمعي توجيهاً صحيحاً، وأركز على الأخلاق الصالحة التي تحلّى بها أهل بيت النبوة (عليهم السلام). وتكلّمت (هدى علي)/ ربة بيت من قضاء الحسينية عن رغبتها في طلب العلم، وأضافت قائلةً: أحبّ أن أكمل دراستي الدينية، وأسعى إلى نشر الثقافة والعلوم الدينية والأخلاقية، وأيّ معلومة أتعلّمها أحاول أن لا أحتكرها لنفسي، فأطمح في توصيلها إلى أهل منطقتي. وسعت (رغد إبراهيم)/ بكالوريوس آداب إنكليزي عن طريق دراستها في المدرسة إلى أن تملأ الثغرات في تطبيقات المجتمع للأحكام الشرعية، وحاورتنا متفائلة: وجدتُ في هذه المدرسة مرادي، وبخاصة أنها تقدّم تسهيلات كثيرة خصوصاً خدمة التوصيل المجاني، وسأحاول أن أوجّه النساء توجيهاً صحيحاً، وأقدّم لهنّ المعلومة السليمة، وأنا أثق بصحتها لأنني أدرسها في مدرسة يشعّ نورها في كلّ مكان وزمان. وأخبرتنا (أم سارة)/ بكالوريوس لغة عربية عن رغبتها في الانتماء إلى مدرسة دينية وبخاصة كونها تابعة للعتبة العباسيّة المقدّسة، وحدّثتنا عن أهدافها في الدراسة قائلة: أرغب في تلقي تعاليم ديني الصحيحة، وسأبدأ بنشر ما تعلّمته بين أهلي وأخواتي وبناتي وجيراني، لأتوسع بعد ذلك في نشر ما تعلّمته. وتوجهنا بعد ذلك إلى الشيخ (عمار الهلالي)/ مسؤول قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية في العتبة العباسيّة المقدّسة، لنلمّ بصورة أشمل بالجوانب الأخرى المتعلقة بهذه المدرسة الدينية، وأجابنا عن أسئلتنا مشكوراً: في ظلّ وجود الكثير من المدارس الدينية، ما الذي تميّزت به هذه المدرسة عن باقي المدارس؟ إنّ الكثرة لا تعني انتفاء الحاجة إلى المتشابه في ظلّ العوز المعرفي الكبير داخل المجتمع، فكما هو معلوم لدى الكثير أنّ المجتمع بحاجة مستمرة إلى المدارس والمؤسسات التعليمية بمختلف أشكالها، ولعل الحاجة إلى المدارس الدينية أكبر، انطلاقاً من قراءة العتبة العباسيّة المقدّسة لمستويات الوعي التي تعيشها النساء، وأهمية هذه الشريحة التي تترتب على أهميتها أهمية وجود مدارس مختصة بها، لاسيّما في الجانب الديني والعقائدي الذي غُيّب لسنوات طوال في مجتمعنا نتيجة السياسات السابقة، ومن هنا لا تشكل الكثرة عائقاً أمام وجود مؤسسات تربوية دينية متخصّصة، هذا من جانب أمّا من جانب آخر فإنّ ما يميّز تلك المدارس ـإضافة إلى المضامين المنهجيةـ البعد المتعلّق بالمتخرّجات من تلك المدارس والإفادة منهنّ في التدريس والتبليغ، فالمدرسة تقبل في حلقاتها الدراسية الطالبات اللّاتي يتمتعنَ بمعدل ذكاء مرتفع، ولهنّ طاقات ذهنية وقّادة، ويمتلكنَ الحسّ الرساليّ؛ لأجل الإفادة من قدراتهنّ في تحويلهنّ إلى مبلّغات، إضافة إلى الثابت الفكري (فكر أهل البيت (عليهم السلام)) الذي يمثل ركيزة أساس لأعمال الفكر وتمكينه من مواجهة ما لفتنا إليه سلفاً من ظواهر مجتمعية تواجه المجتمع النسويّ والأسرة، إضافة إلى تحديث المناهج الخاصة بتلك المدارس وتطويرها وفق الرؤية التي تتحقّق نتيجة المسيرة التربوية لتلك المدارس؛ لذا فهي من هذا المنطلق مدارس ترتبط بحاجات المجتمع وتطلّعاته، إضافة إلى الحاجة المعرفية لدى الطالبات بوصفها حاجة متأصلة في ذات الإنسان، وهي بحاجة إلى إحيائها وفق الأطر التربوية السليمة. كمدرسة دينية تابعة لقسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية، كيف تستطيع توجيه المجتمع النسويّ بصورة عامة غير مختصرة على الطالبات المنتميات إليها فقط؟ كما أسلفنا في إحدى جزئيات السؤال السابق أنّ الطالبات اللاتي يدرسنَ في تلك المدارس لا يقتصر الهدف على إكمالهن الدراسة فقط، بل يتعداه إلى اعتمادهنّ مبلغات تارة ومدرسات تارة أخرى في المدرسة نفسها، زيادة على ذلك فإنّ الطالبات اللاتي يتخرجنَ من تلك المدارس التي تمتد مدة الدراسة فيها خمس سنوات يدرسنَ فيها المقدمات والسطوح الأولية، يحملنَ على عاتقهنّ مَهمة التبليغ الديني في وسطهنّ النسويّ، ومن هنا لا يقتصر عمل تلك المدارس وهدفها على الطالبات اللاتي يدرسنَ فيها فقط، بل يتعداه إلى توجيه المجتمع النسويّ والأسريّ وفق الأسس العلمية والإسلامية التي درسنها لخمس سنوات، وهذا ما يجعل لتلك المدارس حاجة فعلية؛ لأنها تعمل على تثبيت ما صحّ من سلوكيات المجتمع النسويّ وتعزيزه من جهة، وتعديل ما يجب تعديله من جهة أخرى، وبهذا فإنها جزء من القوى العلمية والفكرية الفاعلة في المجتمع والمؤثرة في أنساقه الاجتماعية، والتجارب على ذلك كثيرة، لاسيّما في شهر رمضان المبارك ومحرم وصفر وغيرها من الأشهر الأخرى التي تقوم فيها الطالبات بمَهمة التوجيه الديني الفاعل. ما هي الرؤى المستقبلية في تطوير هذه المدرسة؟ إنّ الرؤى تتعدى الواقع حتماً، فرؤيتنا كقسم مشرف ومسؤول عن تلك المدارس نتطلّع من خلالها إلى زيادة الرقعة الجغرافية لها، وهذا مدعاة إلى زيادة أعداد الطالبات الداخلات في الحلقة الدراسية. نتيجة للحاجة الضرورية والملحة في تنمية الثقافة الدينية للمجتمع النسويّ، فمنه يبدأ بثّ شعاعه المنير والدائم في إنارة الحياة الأسرية، تولت العتبة العباسيّة المقدّسة على عاتقها إنجاز هذه المدارس الدينية لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، ونأمل من كلّ فرد في مجتمعنا أن يحمل على عاتقه المشاركة والمساهمة في هذه المشاريع الوضّاءة.