دُرُوسٌ في ظَاهِرَةِ الظُّلمِ وانتِشارِهِ

نادية عبد الرزاق عليوي
عدد المشاهدات : 408

إن الظلم ظاهرة انتشرت في المجتمعات حينما تبتعد الأمة عن مسارها الذي خطّه الله لها لسير الحياة كما في الشريعة الإسلامية وما سبقها من الشرائع السماوية الأُخر، وجاء ذكر الظلم والظالمين في القرآن الكريم الذي جعله الله دستوراً وقانوناً لتنظيم السلوك الإنساني، ومنهجاً مرسوماً لحياة أفضل؛ لأن خالق الكون والكائنات هو المصمم وهو المدير للأمور ليس سواه، وهو الذي ليس عنده ظلمٌ وهو العادل والحكيم؛ لأنه صنع الكون وأبدع صنعه، وخلق الخلائق بقدرته وفطرته العظيمة. إن استنكار الظلم فطري، وضعه الله سبحانه جل وعلا في البشر وتأباه النفوس الحرّة.. وتستميت في كفاحه وقمعه، وليس شيء أخر في المجتمع أكثر تأثيراً في انحلاله ودماره غير الظلم وانتشاره على كافة نواحي الحياة، أمّا السكوت عن الظلم يشجع الطغاة على التمادي في الظلم والغي والإجرام، وأنه يحفّز الموتورين على التآمر والانتقام، فينتشر الفساد والفوضى وتبدو الحياة مسرحاً للجرائم والآثام وفي ذلك انحلال للأمم والمجتمعات، وبما نحن في هذا الوقت بأمسّ الحاجة لطرح هذا الموضوع لكثرة الظلم الموجود وبكافة أنواعه (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)/ (الروم:41)، يجب على كلّ مَن يستطيع أن يكتب ويساهم في هذا الموضوع للحدّ من وطأة ما نرى في حياتنا اليومية، ولأن المجتمع العراقي بات مسرحاً للجرائم الصغيرة والكبيرة المتعمدة وغير المتعمدة فعلينا أن نرفع هذه الصورة البشعة عن عراق الخير، اسمه جميل وعروقه تنبع بالمحبة، فيجب علينا أن نساهم جميعاً باجتثاث الظلم من جذوره وكلٌّ بحسب قدرته؛ لأنه أصبح مسؤولية الجميع كما جاء في الحديث الشريف عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): "كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"(1) وبحسب مكانه أو على الأصح العمل على تقليل الظلم بطرائق متعددة أهمها هي: 1. استذكار العدل الإلهي: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)/ (النساء:40) وفي آية أخرى قال (عز وجل): (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)/ (الشعراء:227)، وحتى ظلم النفس الذي تحدث عنه القرآن الكريم ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)/ (لقمان:13) ولو تحدثنا عن الظلم في القرآن الكريم لاحتجنا إلى حلقات كثيرة نبيّن فيها أنواع الظلم وأسبابه ونتائجه وعواقبه و...إلخ. 2. الاعتبار بمساوئ الظالمين واستقراء سيرة الطغاة وما عانوه من العواقب الوخيمة التي أعدّها الله للظالمين على مرّ العصور في الدنيا والآخرة. 3. استقراء سيرة الشرفاء والرحماء والمحسنين في العالم، وأن نجعلهم قدوة لنا، وهم ما تمثل في محمد وآله الطيبين الطاهرين. 4. إن أعظم الطاعات والقربات إلى الله تعالى هي نصرة المظلومين؛ لأن ما من عبد يستطيع أن ينصر أخاه المؤمن ولم ينصره إلّا وخذله الله في يوم القيامة. 5. إن من أبشع أنواع الظلم هو ظلم الإنسان للمجتمع؛ لأنه يؤدي إلى هلاكه، والسكوت عن الظلم هو إضعاف لطاقات الإنسان؛ لأن الإنسان يمتلك طاقة خفية تتحرك بالحب والحرية والعدالة وإضعاف هذه القدرات هو الخروج عن طاعة الله (عز وجل)؛ لأنها تهين الإنسان الذي كرّمه الله (سبحانه وتعالى)، وظلم السلاطين هو إضعاف للشعوب، وتضييع للحقوق والكرامات والحريات. ........................... (1) بحار الأنوار: ج72، ص38.