رياض الزهراء العدد 101 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيَات_2
(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)/ (الطلاق:2 ,3). في هذه الآية نرى عدة أحكام منها، أولاً: إنّ المراد ببلوغ الأجل هو الوصول إلى نهاية المدة، وليس المقصود أن تنتهي العدة تماماً، بل تشرف على الانتهاء؛ لأن الرجوع بعد نهاية العدة غير جائز. فهذه الآية تطرح أهم الأواصر المرتبطة بالحياة الزوجية وأكثرها نضجاً، وهي إمّا أن يعيش الرجل مع المرأة بإحسان ومعروف، وإمّا أن ينفصلا بإحسان، وهذا الانفصال يجب أن يتمّ بعيداً عن الغضب وعلى أصول صحيحة، وأن تُحفظ فيه الحقوق واللياقات لترك أرضية صالحة للعودة والرجوع إذا ما قررا ذلك؛ لأن العودة إذا تمّت في جوّ مظلم ملبد بالخلافات لا تكون موفقة فلا تستمر طويلاً، هذا إضافة إلى أنّ الانفصال بالطريقة غير اللائقة قد يؤدي إلى انقطاع العلاقة بين العشيرة والأقرباء، فيؤدي إلى قطع المساعدة المقدّمة لهما في المستقبل؛ لذا فالإمساك والطلاق بالمعروف له معنى أخلاقي واسع تقتضيه تلك العلاقة. ثم يذكر القرآن الكريم الحكم الثاني: (..وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ..)، وذلك لكي لا يستطيع أحد في المستقبل أن ينكر ما جرى, وبعض المفسرين احتمل الإشهاد لكلا الأمرين (الطلاق والرجوع) غير أنّ الأشهاد ليس واجباً قطعياً في التزويج فضلاً عن الرجوع، وعلى فرض أنّ المورد يشمل الرجوع فذلك من باب الاستحباب.(1) ثم بيّن الحكم الثالث فقال: (..وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ..)، هذا خطاب للشهود، أي أقيموها لوجه الله تعالى واقصدوا بأدائها التقرب له لا لطلب رضا المشهود له أو الخوف منه(2)، أي حذار أن يكون حبّكم وميلكم إلى أحد الطرفين مانعاً من إظهار الحق, ولما كانت عدالة الشاهد لا تعني أنه معصوم من الذنب لذا يحذرهم تعالى؛ كي يراقبوا أنفسهم حتى لا ينحرفوا عن الحق بعلم أو بغير علم. وينبغي أن يُشار إلى أن تعبير: (.. ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ..) هو دليل على أنّ الشاهدين يجب أن يكونا مسلمين عادلين ومن الذكور، ولتأكيد الأحكام السابقة تقول الآية الكريمة: (.. ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ..). ربّما عدّ بعضهم كلمة (ذلكم) إشارة - فقط - إلى مسألة التوجه إلى الله تعالى ومراعاة العدالة من جانب الشهود غير أنّ الظاهر أنّ هذا التعبير يشمل كلّ الأحكام السابقة حول الطلاق, وهذا يدلّ على الأهمية القصوى التي يوليها القرآن الكريم لأحكام الطلاق التي إذا تجاوزها أحد ولم يتعظ بها فكأنما أنكر الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر. وبسبب المشاكل الزوجية قد ينحرفان عن جادة الصواب عند الطلاق والرجوع, وقد تضغط هذه الظروف على الشاهدين فتمنعهما من أداء الشهادة الصحيحة والعادلة؛ لذا تؤكد الآية في نهايتها قائلة: (..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..) وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) أي يتقي الله تعالى فيما أمره به ونهاه عنه، إذ يجعل له مخرجاً من كلّ كرب في الدنيا والآخرة..(3) قال بعض المفسرين: إنها نزلت بحقّ (عوف بن مالك) وهو أحد أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي أُسر ابنه، فجاء يشكو هذا الحادث وفقر حاله وضيق ذات يده إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، فنصحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: «اتقِ الله واصبر، وأكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله» ففعل ذلك وفجأة بينما هو جالس في بيته دخل عليه ولده، فتبيّن أنه قد استغفل الأعداء وفرّ من قبضتهم وجاء بجَمَل معه منهم؛ لذا نزلت هذه الآية التي تخبر عن تيسير معضلة هذا الرجل المتقي من حيث لا يحتسب بعدها، فيوضح القرآن الكريم أنّ مَن يفوّض أمره إلى الله (عزّ وجل) ويثق به يكفيه أمر دنياه ويعطيه ثواب الجنة، فإنه منفذ أمره فيمَن يتوكل عليه ومن لم يتوكل، وقد بيّن الله (عزّ وجل) أنّ لكلّ شيء مقداراً بحسب المصلحة في الإباحة والإيجاب، كما بيّنها في العدة والطلاق.(4) ....................................... (1) الأمثل في كتاب الله المنزل: ج18، ص261. (2) مجمع البيان: ج10، ص43. (3) مجمع البيان: ج10، ص43. (4) الأمثل في كتاب الله المنزل: ج18، ص264.